الراوي. عدنان الهجاري الشريف – جدة
عدت إلى مكان قافلتي. ما كدت أصل إلى مكاني. واتيقن من جملي حتى ضجت الساحة برغاء الإبل التي أطلق اربابها عقالها. وإذا بعملاقي البدوي الأسود يحضر إلى وخلفه جاري في الشقدف الإندونيسيين وهنا حضر الي صاحبي وامسك بذراعي ووضعني على ظهر الحداجة كما فعل بي الليلة السابقة.
سارت القافلة تخب في سيرها كنت مرتاحا نفسيا فلا اشكو من جوع ولا من صداع ولا من خوف. بيد كنت متضايقا من شئ واحد فقط هو وضعي على الحداجة فأنا جالس عليها القرفصاء لا وجود لمساحة امد رجلي عليها او اريح عليها جسمي مع انني أرى في الشقدف عن يميني وعن يساري مساحة فاضية تسعني وتسع اخرين معي لأن اجسام ساكنيها وهم إندونيسيون ضئيلة جدا ولكن هيهات ان أصل إلى هذه المساحة لانعدام التفاهم بيني وبين اصحابها. فلا اعرف لغتهم حتى اخاطبهم. وسارت القافلة على بركة الله وكان الوقت آنذاك بعيد العصر.
الوصول إلى جدة: –
كانت القافلة خلال ذلك قد انهت رحلتها ودخلت مدينة جدة قبيل الفجر عن طريق باب مكة.لم اشعر إلا وعصا غليظة تنخسني من الخلف ((قم يا ولد)) فقمت مذعورا التفت يمينا وشمالا. لأقيم وضعي. وفجأة امتدت يد إلى عجزي فسحبني من ظهر الجمل وقذفت بي على الأرض والتفت الي العملاق قائلا وهو يسحب جماله (هذه جدة وصلتها؛ حنا انتهينا منك).
برحة نصيف: –
المتجه من شارع قابل باتجاه الشرق يصل برحة هناك معروفة ببرحة نصيف وعندما يصل إلى هذا المكان واتجاهه إلى الشرق كما قلت يلاحظ عن يساره شارع يؤدي به إلى فرن الحنبولي وعن يمينه بيت نصيف الذي يقع بين شارعين.أحدهما يمتد إلى الجنوب جاعلا بيت نصيف عن يساره والاخر يتجه إلى الجنوب الشرقي جاعلا بيت نصيف يمينه. في هذا المكان وبحذاء جدار العمارة التي تفصل الشارع الممتد إلى العلوي عن الشارع الممتد إلى فرن الحنبولي (في هذا المكان بالذات قذف بي البدوي وسحب جماله)ليتصور القارئ الكريم هذه الصورة. طفل غريب يحل في بلد لم تطأها قدماه من قبل ولا يعرف فيها انسان كما لا يعرف طرقها ومسالكها. قذف به في مكان موحش مظلم وترك وحده.
اين اتجه وماذا افعل ؟؟
كان الوقت آنذاك في الهزيع الاخير من الليل وجهي متجه إلى الغرب وامامي برحة كبيرة هي الموجودة حاليا والمعروفة ببرحة نصيف هذه الساحة من الأرض تنتشر مجموعة من الكلاب الضخمة رابضة فيها؛ وخلفها باتجاه الغرب للمتجه إلى شارع قابل مقهى يوجد فيه كراسي مصنوعة من الشريط وفيه إتريك علاقي.
محاولات الوصول إلى المقهى: –
بعد برهة شرعت في تنفيذ فكرتي بالوصول إلى المقهى وكنت ملصقا ظهري بالجدار الذي كنت أقف بحذائه. ما كدت امشي خطوتين حتى هبت تلك الكلاب منزعجة تنبح بصوت واحد متجهة إلي فأسرعت عائدا إلى مكاني – شاهدت عن بعد شخصا جالسا على أحد الكراسي تحت الإتريك يحمل عصا غليظة وعلى رأسه عمامة مكورة ضخمة.
يد حانية: –
وفي تلك اللحظة كنت اشاهد الرجل على كرسي المقهى قد نزل من الكرسي واقفا. واقبل متجها إلي حيث كنت مارا بالكلاب. ويبدو ان تلك الكلاب كانت على جانب من الذكاء بحيث لم تنبحه احتراما للعصا الغليظة التي كان يحملها وعندما مر من امامي التفت إلى هذا الطفل اللاصق بالجدار في هذا الليل المظلم.وقف الرجل امامي وقال لي: (ليش واقف هنا يا ولد)؟؟!!. قلت له ابحث عن والدي. اجابني. اين هو والدك؟ قلت: في المسجد. لأني تصورت انه لابد ان يكون مسجد. وإذا وصلت الي المسجد ضمنت الأمان ولهذا قلت والدي بالمسجد.
مسجد العمار: –
ذهب بي ممسكا بيدي إلى مسجد المعمار. الذي لم يكن يبعد عن المقهى بأكثر من مائة متر تقريبا. لسوء الحظ وجد أن باب المسجد مغلق فقال لي (هذا المسجد مغلق لا يوجد به أحد.) فقلت له. لا ابي في المسجد الثاني الذي بابه مفتوح.
مسجد عكاش: –
فمشي معي ممسكا بيدي واتجهنا معا منحدرين غربا عبر شارع قابل حيث وصلنا إلى مسجد عكاش. وإذا بابه من حسن الحظ مفوح فقال لي: هذا المسجد الذ يوجد ابوك فيه. ثم ودعني وانصرف. وقد دعوت له من اعماق نفسي بكل حرارة على ما قدمه لي من عطف ومساعدة. وما كادت قدماي تطأ أرض المسجد. وأبصر رهبة الظلام. مر على فترة من الزمن لا اذكر مداها ولكن الذي اذكر انني بينما في صراع مع النعاس إذا بي أحس بحركة خافتة تدب على بعد أمتار من مكاني فازددت خوفا وهلعا ولكن سرعان ما شع النور من فانوس علق على خشبة المنبر الذي كان يبعد عني بضعة أمتار من جهة الشرق. وإذا بي أرى هناك رجلا يعلق الفانوس. فابتدأ الهدوء يعود إلى نفسي ويتجلى شبح الخوف عنها. ثم اختفي الرجل. فنهضت من مكاني متجها إلى قرب الفانوس بجوار المنبر.
اذان الفجر: –
سمعت كلمة (الله أكبر) تمزق الظلام وتملأ أجواء الكون؛ اعقبتها كلمات الأذان؛ كانت شجية النغمات. صوت رخيم. يملأ النفس غبطة وحبورا. وما هي إلا دقائق حتى بدا المصلون يتوافدون إلى المسجد من بابيه الجنوبي والشمالي – انتهت الصلاة وكنت اشاهد وضع محبب إلى النفس بحرص الناس على أداء شعائرهم في اوقاتها وداخل المسجد وخاصة صلاة الصبح اما انا فقد بقيت في مكاني حتى اشرقت الشمس وابتدأ الناس يتواجدون في الشوارع ويتوافدون لفتح دكاكينهم.
وقفت على باب المسجد الشمالي اسأل نفسي: أين انا – الآن ؟؟ !! ولكم ان تسألوا وتتوقعوا ما هو القرار الذي يتخذه بعد خروجه من المسجد. ؟
تمت ويليه المشهد الرابع
– المرجع: خواطر وذكريات – إبراهيم المحمد الحسون