
في أحد أيام المناوبات الصباحية كنت مناوبا في صيدلية الإسعاف و التي تعتبر قلب المستشفى في ذلك الوقت فهي التي تمد المراجعين من المرضى في جميع الأقسام وقسم الإسعاف بالأدوية والمعلومات الدوائية ففي ذلك اليوم الطويل والذي كانت المناوبة فيه تمتد من الساعة السابعة صباحا إلى الساعة الثالثة بعد الظهر يتخللها التعب والجهد الكبير نتيجة كثرة الطلبات والاتصالات … وقد حان وقت الصلاة فأخذت أجمع أغراضي وأهيء نفسي بالخروج من الصيدلية لآداء الصلاة وقد سلمت العهدة ومكاني لزميل آخر ينوب عني في هذه الفترة .
خرجت من الصيدلية فإذا بي ألتقي أحد الزملاء والأصدقاء في ممر العيادات يمشي وكأنه رجل آلي حيث كانت عيناه غائرتين وشاحب الوجه و شفتاه منطبقتين على بعضهما .. ناديته باسمه : فلان … فلان … فلان …..لكنه لم يجبني فاقتربت منه أكثر وربت على كتفه قائلا له : لا بأس عليك … لا بأس عليك ….وفجأه سقط على الأرض مغمى عليه ناديته حركته .. فلم يستجب لي وهنا شعرت بفزع وخوف شديد وتمتمت قائلا : لا حول ولا قوة إلا بالله .
وقمت بحمله وقد كان خفيف الوزن ونحيل الجسم .. ذهبت به إلى قسم الإسعاف والطوارئ وألقيت بجسده على أحد الأسرة بعد أن طلبت من الممرضة والأطباء الإسراع في معاينة زميلنا العزيز لأنه يحتاج إلى العناية الطبية السريعة فهو يعاني من هبوط حاد في معدل السكر بالدم .
فسألني الطبيب قائلا : وكيف عرفت ذلك ؟ فقلت له : هذا صديق لي وأعرف حالته الصحية وأنه يعاني من مرض السكر ويأخذ جرعات من الإنسولين .جاءت الممرضة بجهاز فحص السكر وكانت النتيجة كما توقعت .. إنه إنخفاض حاد .
في السكر حيث كانت نسبته بين الأربعين والخمسين درجة فقـط وهنا أمر الطـبيب بتركيب المحاليل الطبية لزميلنا وإعطـائه حقن( الجلوكوجن ) بشكل سريع .
لقد شعرت بالتعب والقلق الكبير وأخذ جبيني يتصبب عرقا وأخذتني العبرة على زميلنا وصديقنا العزيز وطلبت من الطبيب العناية الفائقة به واستأذنت منه للذهاب إلى الصلاة والدعاء لزميلنا بالشفاء العاجل وطلبت منه الاتصال بي في الصيدلية إذا كان هناك أي حاجة لأي شيء – فرغت من صلاتي و دعائي و توجهت إلى إكمال مناوبتي في الصيدلية وقد كان الوقت صعبا جدا حيث تمر الدقائق و الساعات كأنها دهر فلم أستطع الصبر حتى نهاية المناوبة فطلبت من أحد الزملاء ملأ مكاني و استأذنته في الذهاب لزيارة صديقنا العزيز والاطمئنان على صحته .
توجهت إلى قسم الإسعاف وقد سرني ما رأيت فقد كان صديقنا العزيز في أحسن حال فقد ردت الحياة إليه .. وانتعش جسده وأشرق وجهه و بادلني الابتسامة والتحية والسلام فقلت له : يا عزيزي أعلم أنك تحب عملك وتعمل فيه بجد وإخلاص لكن هذا لا يمنعك من العناية بصحتك والاهتمام بطعامك وعلاجك فأرجوا منك أن لا يتكرر ما أصابك اليوم مرة أخرى .. في هذه الأثناء جاء الطبيب المعالج وقال : الحمد لله على سلامتك والشكر كل الشكر لصديقك العزيز والذي كان واضحا أنه يحبك حبا كبيرا يهتم لأمرك فقد كان له الدور الكبير في إنقاذ حياتك فخذ كلامه على محمل الجد ولا ترهق نفسك و التزم بتنظيم وجباتك وعلاجك فشكرت الطبيب وكل الفريق الطبي على اهتمامهم و جهدهم الكبير بالعناية بالمرضى .
مرت الأيام و الشهور على هذه الحادثة و صديقنا العزيز نسي أيضا أن يهتم بصحته ففي يوم من الأيام أخذ جرعة الإنسولين في السابعة صباحا ولم يتناول فطوره وانشغل بعمله ونسي أمر الطعام وعندما حان وقت الصلاة ذهب أحد الزملاء إلى مكان عمل صديقنا المريض بالسكري ليصحبه للصلاة ولكن يال الهول فقد وجده ممددا على الأرض وظن أنه مغمى عليه .. حاول إيقاظه مرارا و طلب النجدة من قسم الإسعاف وبعد فحصه تبين وللأسف أنه قد فارق الحياة .
تلقيت اتصالا من أحد الزملاء الذي يعرف عن علاقتي الوطيدة بزميلنا العزيز و أخبرني أن زميلنا هذه المرة لم ينج من إنخفاض السكر وقد كان الثمن غاليا فقد فارق زميلنا الحياة رحمه الله فقد كان شابا في مقتبل العمر وأبا لطفلين لم ينعما بحضنه إلى أن يشبا ولقد أثر غيابه بي كثيرا و ترك رحمه الله جرحا عميقا في قلبي .
أعزائي …
إن مرض السكري مرض يحتاج إلى حرص شديد واهتمام بالغ في أخذ الجرعات الدوائية وتناول الوجبات الغذائية بشكل منتظم فهو مرض لا يحتمل الإهمال والتأخير لأنه قد يكون ثمن ذلك هو حياتك .