
يقال أن مؤرخا من علماء الآثار ومن محبي التنقيب عن الأحداث والنفائس القديمة ذات القيمة المعنوية والمادية قصد طريق الحرير الذي يربط الشرق بالغرب ومر بجانب كربلاء وهناك سمع صوتا من بعيد وأحس بحركة غير طبيعية فالطيور والحيوانات تدور ولا تهتدي لطريق وذلك بسبب حركة غليان الأرض من الحرارة ومن النهر الذي تغير لونه وأصبح وكأن الدم يملؤه ويصعب الشرب منه بسبب عكارته الواضحة .
فقال في نفسه لابد من التوقف هنا والتعرف على هذا المكان .فنصب له خيمة وأخذ يتفحص المنطقة طولا وعرضا ويعمل بمجساته و آلات التصوير وآلات الحفر لاكتشاف أعماق الأرض وآلة حساب الحرارة والبرودة و آلة حساب الزمن وما وجده ساعده على اكتشاف الأحداث بالحركة واللون وبنفس الحرارة ودرجة الصوت .
اتجه إلى نهر الفرات وإذا به يرى جسدا لفارس قوي ولكنه مقطوع اليدين وتراءت له حركة جسده مجسدة على الصخور وهنا ابتعد عن موقع الجسد وشاهد ماء مسكوبا تفوح منه رائحة ذلك الجسد وتبين أن فيه قطعة صغيرة من سهم وفيها جزء من تلك القربة وضعت علامة ودليلا على وقوع فارس قوي تظهر عليه الشجاعة والبأس .
ترك الموقع واتجه صوب موقع آخر حيث لابد من أن أحداثا خلف هذا الفارس الذي وجده وهناك سمع أصواتا وصهيلا للخيل وضربا للسيوف والرماح ووجد هناك آثار أجسادا لشباب وأطفال وشيوخ وعبيدا ومماليك سقطوا هنا وهناك ويتضح من هيئتهم أنهم ذوي خبرة في القتال لأن جهة القتال كانت في اتجاه واحد .وآثار أجسادهم من شعر وملابس عطرت الأرض
وإذا به يجد آثارا لملابس فاخرة وحذاء وأوراق شجر وهذا يدل على وجود عريس ورأى آثار أرجل مشت وكأنها مربوطة أو اعتادت على القيد وهذا يدل على أن صاحبها كان عبدا وشاهد أثر ربطة عنق ومعصم يتبين منه أنه خلخال طفل رضيع .
إنها معركة قوية تتضح من آثار حركة الخيول وآثار الدماء الموزعة في كل مكان وبعضها منقوش على الصخر وأكمل تجوله في المنطقة متسائلا أين كان مقر السكن أو المخيمات وأخذ يبحث واذا به يرى أرضا يغطيها السواد فأخذ يبحث وإذا به يرى آثار حرق قماش وصوف وبعض آثار أطفال من بعض الأخشاب الصغيرة وكذلك آثار أقمشة عبايات نسائية وهنا تبين له أن المعسكر حرق الخيم بعد المعركة .
فقرر أن يضع بعض الملاحظات ويجمع كل التصورات والأثار والمقتنيات الموجودة في المنطقة ويسجل كل البيانات وينتظر الأعراب التي تمر من هنا و عسكر في المكان عدة أيام وهو يصور ويجمع وذات يوم رأى فارسا من بعيد متجها إليه وعندما وصل إليه خاطبه قائلا : أيها الغريب لماذا أنت هنا ؟ فأجابه إنا رحالة.
كيف وجدت هذا المكان ؟قال وجدت أحداثا عظيمة وآثار قبور بدون علامات وكأنها مخفية عن عمد ولا يراد أن يعرفها أحد لكنني أحسست بحرارة أجسادها وكأنها ليست ميتة وهنا جلس الفارس الملثم وقال له سوف أخبرك بما جرى على سبط الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أصحابه وأهله وأخذ يقرأ عليه المقتل كاملا وإذا بالرحالة يبكي ويقول ماذا أكتب عن هذه الأرض وماذا أنقل ؟!
قال له ابتعد عن هذا المكان وإلا سوف تقتل إذا رويت هذه الأحداث لأحد فأخبره سأرجع إلى بلدي و أدون ما حدث من أمة مسلمة قتلت ابن بنت نبيها الناموس الذي جاء إلى عيسى عليه السلام وكلما اقتربت إلى هذه الأرض سأشعر بالحزن والبكاء والخشوع والانجذاب وسأزورها بين فترة وأخرى لكي أتزود من الجانب الروحي والمعنوي.
وهنا افترق الفارس والرحالة وبقيت أرض كربلاء مشعل نور وهداية تسجل بصماتها في التاريخ وكلما مر شهر محرم الحرام تحركت البوصلة باتجاه هذه الأرض ليروي لنا التاريخ جزءا مما حدث فيها ويأخذ منها أطفالنا وشبابنا ونساءنا وشيوخنا موعظة وعبرة وعبره كل حسب استيعابه لهذه الأحداث .