تميزت كتابات الإعلامي جعفر عمران بصبغة أدبية وقيمة تاريخيه، فنجح بالحفاظ على مادته الصحفية عن الموت أو الاندثار بعد قراءتها، بل صنع مادة طويلة الأجل ويمكن قراءتها بعد سنوات دون شعور بأنه مقال قديم منتهي الصلاحية، هذا ما نلاحظه في قصصه الصحفية المنشورة في كتابه (ذاكرة المكان) الصادر 2013م، فهو يكتب مواده الصحفية بشكل متكامل، بمنهج متوازن وواضح، وأسلوب قصصي ذات حبكة صحفية، مع انتقاء كلمات سهله وبسيطة ومنسجمه أثناء القراءة بصوت مرتفع، وعناية فائقة بالمادة المختارة.
1-خطواته في الإعلام طويلة وشائكه، بل ربما معظمها مليء بالحفريات والتحويلات، تكللت –ولله الحمد- بالنجاح الرائع، بعدما قضى أكثر من عشرين عاماً في الصحافة، إذ بدأ تعاونه مع جريدة اليوم في العام 1993م، وكان يتلقى تشجيعاً مستمراً من زميله الصحفي البارع عبدالرؤوف الغزال بصفته أحد مسؤولي التحرير، وكذلك زميله حسين العوامي الذي يعتبره خير معين ومشجع للمضي في كتابة التغطيات الصحفية والتحقيقات والمقابلات، وفي عام 2004م عرضت عليه جريدة الشرق الأوسط للعمل ضمن فريقها الإعلامي، وفيها تبلورت كتاباته وتماسكت، حيث الصحافة العالمية والخروج عن الإطار التقليدي والكتابة بجانب أقلام لها شهرتها الإعلامية على مستوى الوطن العربي، وقد أعطى ثماره ذلك الانتقال، إذ سرعان ما برز اسمه ولمع، واستفاد كثيراً من زميله عمر المضواحي –رحمه الله- مسؤول مكتب جدة والمشرف عليه، وفي عام 2010م انتقل إلى جريدة الحياة، ومنها مديراً لمكتب الأحساء لجريدة الشرق بين عامي 2011 -212م، وهو الذي أسس مكتبها من الصفر وأدار عمل الفريق باقتدار.
2-لم اجد مواده الصحفية مبتذلة بشكل يومي، كون هذا عمل الصحافة ومتطلب منهم الركض الصحفي من قبل رؤسائهم، بل وجدته ينتقي موادّه ومواضيعه كالطير عندما يلتقط الحب ليطعم صغاره، نعم .. جعفر يحاول أن يقدم مادة كاملة الدسم تروي ضمأ قرّاء الصحف ومتابعيه، فهو لا يكثر الكتابة ولا أقول يكرهها ولكن يحب أن يتم عمله كما تتقن الأم طهي الطعام لأطفالها عندما تنفرد في مطبخها لوحدها؛ وكذا عمران عندما يتواجد في محفل لتغطية صحفية فإنه يختار زاوية مناسبة ليجلس فيها بهدوء
بعدما يصافح أصدقاءه، ويتوجه بكله لما يسمع ويرى، لا تغفل عنه شارده من قول أو حركة، وبعدما يتوجه إلى منزله لا أعلم إن كان يذهب إلى مكتبه مباشره للكتابة أو لديه طقوس خاصة يؤديها قبل بداية كتابة التقرير أو المقال أو التحقيق! ولكني على علم ويقين أنه متمحور في مادته، وسيكتب بلونه وقالبه الذي بدأ يخطوه منذ بدأ الكتابة في عالم الصحافة حتى نضج وتم. فلم يكتب مبتدءاً في عالم الصحافة بقدر ما عشقها مع متاعبها، فخطفته وأخذت جل وقته وجهده، وإلا هو شاعر رقيق، وكاتب وأديب، كتب القصيدة النثرية، وذكره الشاعر الأديب ناجي بن داود الحرز ضمن معجم شعراء (منتدى الينابيع الهجرية) الصادر 1434هـ وترجم له ووضع نماذج من شعره، وله مجموعة قصصية (سالفة طويهِر)، وترجم له أيضاً في (معجم السرد) الصادر عن نادي الأحساء الأدبي 1436هـ-2014م، فهو قلم يانع، يمكنه أن يبدع في مجالات أدبية شتى، ولكنه أحب الصحافة فتوجه لها بقلبه قبل قلمه.
3-الأسلوب القصصي في عالم الصحافة هو الكشف عما حدث، وهو قالب كتابي حديث في هذا المجال يختلف عن الكتابة المعروفة والمتداولة في معظم الصحف المحلية، فقليل من الصحفيين يجيدون ممارسة هذا الشكل الصحافي، في المقابل نجد القارئ يهواه؛ لأن الإنسان بطبعة يميل إلى سماع القصص، فنقل الخبر والحدث أصبح شيئاً غير مثير، فكل فرد في العالم لديه إمكانيات معرفة الحدث دون انتظار الصحف ليوم غد في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بأنواعها وأشكالها. والأسلوب القصصي يتعاطاه الأعلام المصري واللبناني في كتاباتهم الصحفية.
وعمران كما أسلفتُ القول عمل تقاريره بالأسلوب القصصي ليس ليجذب القارئ لمادته فقط، بل تجده ينظر شزراً إلى شيء بعيد جداً، وهو أن يدوم تقريره لزمن طويل ولجيل آخر، وليس وليد لحظه لينتهي بانتهاء الحدث.
4-وأخيراً: أتساءل ولعل هناك من يشاركني التساؤل: إلى أين هاجر الإعلامي جعفر عمران بعد هذا العمر المديد في عالم الصحافة الورقية؟!.
وقد أجب عمران: (لست بعيداً عن الصحافة، فأنا أمارسها بين وقت وآخر، ولكنني ابتعدت عن الالتزام مع صحيفة ورقية، لأنها تتطلب جهداً وعملاً يومياً، وهذا ما لا أتمكن عليه اليوم، فابتعادي لكي أكرس جهدي للقراءة والكتابة والتأليف).
والمعلوم إن عمران نشاطه في عالم الصحافة والإعلام رائع، فمع كتاباته الصحفية قدم دورات تدريبيه وورش عمل في الصحافة منذ عام 2000م في المعاهد والمدارس، ولأعضاء العلاقات العامة والإعلام في مهرجان الزواج الجماعي، وقدم جهده وخبرته في الصحافة للكثير من المتدربين رجال وسيدات وشباب وطلاب المدارس، وقام أيضاً بتعليم الصحافة على الأنترنت عام 2006م، ونجح في ذلك،
وتألق في تواصله مع القراء من خلال وسائل التواصل الحديثة، فاستطاع مع زملاء له أن يقدم صحيفة منوعة في برنامج (الواتس أب)، باسم صحيفة (الأحساء واتساب) ووفق في ذلك، وتكللت ثمرة جهودهم، بكتاب صدرت طبعته الأولى عام 1437هـ/2016م باسم (الأحساء واتساب)، وهو يتضمن المواد المنشورة عبر الصحيفة؛ لعدد من الكتّاب والكاتبات من الأحساء ونتوقع أن تثمر شجرة عمران بكتابات ومؤلفات جديدة. أتمنى له الصحة والسلامة، وأن يوفق في حياته ومسيرته، وأن يستمر قلم جعفر عمران بالعطاء ألا محدود.