التربية والتعليم هي المحرك الاساسي في بناء المجتمعات وتطور الحضارات ورقي الافراد وهي عملية منظمه ومدروسة تقدم من قبل الاهل والمدارس والجامعات والمؤسسات المجتمعية بهدف نقل المهارات والمعارف وتنمية اتجاهات الافراد لذا يسعدنا ويشرفنا ان نلتقي ونحاور شخصية مهمة لها بصمة واضحة بحكم كونه مبربيا ومعلما من جهة، ومفكرا فيلسوفا من جهة أخرى، ألا وهو الدكتور نور الدين السافي أستاذ الفلسفة بجامعة الملك فيصل.
بداية أود أن أتعرف على حضرتكم من واقع بطاقتك الشخصية؟
أود في بداية لقائنا أن أحييك وأحيي كل العاملين بهذه المجلّة الرائدة، وأشكر عنايتكم واهتمامكم بملف التربية والتعليم .أنا نور الدين السافي تونسي الجنسية، دكتور في الفلسفة من الجامعة التونسية وأعمل حاليا في جامعة الملك فيصل كلية الآداب قسم الدراسات الإسلامية. بدأت مساري المهني منذ سنة 1984 ميلادي أستاذا للفلسفة بالمعاهد التونسية، ثم كلفتني وزارة التربية والتعليم بمهمة مرشد تربوي نسميها بتونس”مرشد بيداغوجي”لمتابعة الأساتذة الجدد ومرافقتهم في مسارهم المهني وتدريبهم على التدريس وتكوينهم علميا وعمليا حسب مقتضيات السياسة التربوية للدولة من جهة ومتطلبات العملية التعليمية التعلمية
من جهة اخرى قال السافي :منذ سنة 2000 للميلاد اشتغلت مهمة التفقد البيداغوجي وهي أعلى مسؤولية تربوية في الوزارة تناط بعهدتها مهمة تصور السياسة التربوية للدولة والمناهج التعليمية وتأليف الكتب المدرسية ومهمة تفقد الأساتذة وتقويم أدائهم التربوي، ومهمة تكوينية (تدريبية) تتمثل في وضع برامج التدريب العلمي والصناعي للأساتذة الجدد والقدامى لتطوير الأداء المهني خاصة
وتابع بقوله : أن أهم غايات التعليم عندنا يتمثل في إعداد العقول المفكرة والأذواق السليمة والمواطنة الصالحة.وإلى جانب هذه المهام كنت منخرطا في النشاط الجامعي بالجامعة التونسية في مجال البحث العلمي وخاصة في مخبر الفلسفة وكرسي اليونسكو للفلسفة في العالم العربي وعضو مؤسس لملتقى الفلاسفة العرب وعضو اللجنة العلمية لموسوعة الفلاسفة العرب المعاصرين التي تصدر بمصر. ومنذ سنة 2011 التحقت بوزارة التربية والتعليم بمملكة البحرين واشتغلت في إدارة المناهج والإشراف التربوي وساهمت في مراجعة المناهج الخاصة بالفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع والتفكير العلمي ومراجعة المناهج المتعلقة بالتربية على المواطنة إلى جانب إنجاز وحدات تدريبية لصالح المعلمين للتربية على المواطنة والتربية الخاصة المتصلة بالموهوبين وخصوصا التربية العامة لمقاومة العنف في الوسط المدرسي والاجتماعي. وفي سنة 2015 التحقت بجامعة الملك فيصل كلية الآداب قسم الدراسات الإسلامية للتدريس. صدرت لي دراسات عديدة: مقالات ومؤلفات وتعريب عن الفرنسية من اهمها أذكر كتاب”نقد العقل (في منزلة العقل النظري والعملي في فلسفة الغزالي) “وكتاب ” الحكمة العملية في فلسفة الأخلاق والسياسة عند مسكويه” وتعريب لكتاب الهوية ورهاناتها وكتاب ” العقل والتاريخ في الحضارة العربية الإسلامية “.
ما هي اهم الأشياء التي جلبت اهتمامك وأحببتها في الجامعة ؟
جامعة الملك فيصل فضاء علمي عملاق ويحمل إمكانيات مادية وبشرية قادرة على حمل لواء العلم بكل وجوهه وصوره داخل اسوارها وفي أقسامها، وقادرة على حمل الريادة المجتمعية والوطنية خارج اسوارها أيضا. أي إنها قطب علمي له كل إمكانيات القيادة والريادة. وهي تسعى جاهدة لتقديم أفضل ما لديها لخدمة كل المنتسبين إليها وتوفير الظروف المناسبة للعمل والإبداع. وقد لاحظت هذا خاصة في كليات العلوم بمختلف تخصصاتها أساتذة وطلابا، وقد يعود هذا إلى طبيعة المعارف التي تُعطى هناك لأنها معارف عقلية وعلمية رفيعة المستوى تملك مفاتيح التفكير السليم والقوة الحقيقية،
وأضاف: لهذا السبب تحمل وعودا جميلة أرجو أن تجد شروط ظهورها حتى يتخرج منها علماء يشرّفون وطنهم وجامعتهم وأنفسهم، فهم العلماء الحقيقيون الذين يحملون لواء القوة والمجد والتقدم حقا في كل بلاد العالم، والوطن ينتظر عطاءهم وتفانيهم وصدقهم. والأمر نفسه في كلية الآداب أي الفضاء الذي أنتمي إليه رسميا، يحمل كل شروط العمل والنجاح والتألق ويحتوي أساتذة يحملون قدرات خلاقة تساعدهم على الإبداع والتجديد العلمي والمنهجي للرفع من المستوى الجمالي والذوقي في الناشئة خصوصا والمجتمع عموما أولا، ولإعطاء العقل إمكانيات ثرية وعميقة وقيما إنسانية كبرى توجه العمل العقلي نحو قيم الحق والخير والجمال ثانيا. فالحضارة او الثقافة كما يعرف الجميع لا تقوم على الأسس المادية التي تقدمها إلينا العلوم فقط، وإنما أيضا على القيم الإنسانية الكبرى التي يحضّ عليها الإسلام كثيرا لتكون القوى المادية موجَّهة لخدمة الإنسان والإنسانية لتتحقق كرامة الإنسان أينما كان. فالله كرّم بني آدم ولم يكرّم جهة معيّنة ولا أقواما مخصوصين.
لأجل هذا جُعلت كلية الآداب بمختلف شعبها الإنسانية والاجتماعية والفنية والإسلامية لتكون فضاء مناسبا يحمل هذه الرسالة الإسلامية الكبرى ( أي تكريم بني آدم) والرسالة الكونية التي تلتقي فيها كل الحضارات والثقافات. والمطّلع على مناهج ومقررات قسم الدراسات الإسلامية الذي أعمل داخل فضائه يرى ذلك واضحا وجليا، فالقيم والمناهج والمسائل التي يتعلّمها الطالب هناك تحمل إمكانيات واعدة لجيل جديد من الطلبة والباحثين الذين سيكون لهم الأثر الطيب على العباد والبلاد، كلّ ما عليهم فعله هو تحلّيهم بمزيد من الشجاعة على التفكير حتى يبقى العقل مكرّما كما أراده الله لأنه مناط التكليف وشرط التفكير والاجتهاد فالقرآن الكريم وجهه الله لقوم يعقلون.
هل كان للجامعة دور ايجابي في خدمة ارائك؟ وماهو هذا الدور؟
لا شك أن للجامعة دورا إيجابيا جدا في خدمة أفكاري وممارسة دوري كعضو هيئة تدريس أولا وكمفكر ثانيا. لأن الأستاذ ليس مدرّسا فحسب وإنما هو عقل الأمة وضميرها، ولذلك لا يتوانى في خدمتها ويسخّر لها ما أودعه الله فيه من علم وقدرات عديدة أخرى. وانطلاقا من تجربتي وإن كانت قصيرة فقد كانت ثرية نسبيا بالمساهمات الفكرية محاضرة وإشرافا وبحثا، وقد كان للطلبة الدور الأهم بفضل دعواتهم المتكررة لتنشيطهم وتدريبهم ونصحهم وإرشادهم، وبهذه المناسبة أبلّغ لهم كل شكري وفخري بأنهم طلبتي وأنا أستاذهم، وهذا طبعا لم يكن ممكنا واقعيا لولا المساندة الفعلية التي أجدها دوما عند رئيس القسم سعادة الدكتور زياد الحمام الذي يبذل قصارى جهده لخدمة القسم بكل شعبه ومنتسبيه علميا وإداريا. بل إن دوري توسّع خارج الجامعة أيضا بتشجيع من عميد كلية الآداب سعادة الأستاذ الدكتور ظافر الشهري الذي يترأس أيضا نادي الأحساء الأدبي بدعوتي في مناسبات متعددة لإحياء أمسيات ثقافية في إحدى ليالي شهر رمضان المبارك وبمناسبة اليوم العالمي للغة العربية والآتي في مستقبل الأيام سيكون أجمل وأفضل بإذن الله. وبالمناسبة نفسها أشكر سعادته لمنحي هذه الفرص الثقافية الجميلة وتشجيعي الدائم في التنشيط الثقافي والفكري بالكلية وخارجها.
وأردف السافي :أرجو أن تسمح ظروف العمل الثقافي في السنة الجامعية الجديدة لتقديم خدمات أفضل للقسم خصوصا، ولكل الفضاءات المناسبة في الجامعة عموما، خاصة وأن الجامعة الآن تسري فيها دماء جديدة بمناسبة تعيين مدير جديد لها، وهو سعادة الأستاذ الدكتور محمد العوهلي المتخصص في الفيزياء النووية وصاحب الخبرات الكبيرة في التسيير الإداري والبحث العلمي، لأجل هذا فالآمال كبيرة الأن لتعرف جامعة الملك فيصل نهضة علمية وفكرية نوعية في جميع التخصصات ويجد الأساتذة والباحثون كل التشجيع للمساهمة إيجابيا في هذه النهضة العلمية المرتقبة.
يتم تدريس المواد الفلسفية عادة في قسم مستقل كما هو في أغلب الدول العربية والإسلامية والغربية ولكن لا وجود لهذا القسم في جامعاتنا. ماهو رأيك بهذا الامر؟
الفلسفة تخصص جد صعب ويحتاج صاحبه تكوينا علميا شاملا يجمع كل العلوم والاداب والفنون تقريبا، لأجل هذا فلا يكون تعليمها إلا داخل قسم مستقل يتولى أمره أساتذة متخصصون في الفلسفة دون سواهم لأن السمعة السيئة المنتشرة في الرأي العام ليست إلا نتاج عدم فهمها أو سوء فهمها روج له من يتحدث عنها من غير المختصين في علومها. توهما منهم أنهم يعرفونها حق المعرفة وهو خطأ محض. أما فيما يخص جامعة الملك فيصل فليس فيها قسم للفلسفة وهذه ثغرة علمية كبيرة جدا لا تسدها او تعوضها جميع اختصاصات الجامعة مجتمعة. ولكن قسم الدراسات الإسلامية يبذل جهدا كبيرا جدا لتدريس بعض موادها ومقرراتها نذكر منها نظرية المعرفة (التي تم حذفها في الخطة الجديدة للأسف وهي خسارة علمية كبيرة لا يمكن تعويضها) ومناهج الفكر الحديث والمذاهب الفلسفية المعاصرة والمذاهب المادية والمثالية والمنطق وغيرها التي تقدم للطالب وخاصة طالب الدراسات العليا في تخصص العقيدة تكوينا محترما يفتح له آفاق البحث والتفكير العلمي. وما على القسم الآن إلا توفير الأساتذة المتخصصين في الفلسفة حتى لا يحدث المكروه الذي أشرت إليه سابقا ونقي طلبتنا والمجتمع من شيوع الأفكار الخاطئة والمشوهة فنصف العلم ليس علما، ومن يحمل معلومات في الفلسفة ليس فيلسوفا وليس قادرا على تدريسها. وإذا وسّد الأمر لغير أهله فانتظر الساعة.
التعليم لا يقتصر على زيادة الكفاءة المعرفيه وحدها وانما يمتد الى مختلف جوانب شخصية المتعلم وحياته أي تنمية العقل والجسم والوجدان والذوق والقيم الدينيه والأخلاقيه والاجتماعية فما هي قيمة الفلسفه في التعليم؟
السؤال صعب للغاية لان بيان قيمة الفلسفة يحتاج مجلدات كبرى، ولكن لتبسيط الأمر يكفي أن نلاحظ وجودها في أقسام مستقلة في جميع الجامعات المهمة والكبرى في العالم العربي والغربي، وموادها الكبرى موجودة في جميع الأقسام الأدبية والعلمية لأن كل الاختصاصات لها فلسفتها مثل فلسفة الرياضيات وفلسفة الفيزياء أو فلسفة العلوم وفلسفة القانون وفلسفة التربية وفلسفة الأخلاق وفلسفة الدين وفلسفة الفن … وغيرها. بل إن تجارب أوروبية رائدة أدخلت الفلسفة للتعليم الأساسي لتدريب الطفل على التفكير السليم وبناء شخصيته على أساس الاعتدال والقيم الكلية الكبرى أي قيم الحق والخير والجمال. ولتلخيص الأمر نقول إن شعار الفلسفة الأول
ما عبّر عنه سقراط أيها الإنسان اعرف نفسك وهو ما عبّر عنه فلاسفة الإسلام بقولهم من عرف نفسه عرف ربه ولهذا الغرض تم تعميم تدريس الفلسفة في مستويات التعليم لما لها من دور مهم وكبير في بناء الشخصية المستقلة القادرة على الإبداع والتفكير الشامل والدقيق والعميق لأن هذا الأمر هو الذي يقي الإنسان فردا وجماعات من شر السقوط تحت تاثير المتلاعبين بالعقول والنفوس الذين يصنعون التطرف ويعرفون كيف يؤثرون في النفوس ويقودونها مثل القطيع. لذا فإن التعليم تربية شاملة ليكون الإنسان إنسانا، والفلسفة هي المجال الوحيد الذي نطبق فيه التعليم الإدماجي تطبيقا تاما لأن درس الفلسفة يستحضر العلوم والفنون جميعا من الرياضيات والمنطق إلى الدين ومختلف الآداب والفنون مرورا بكل أشكال المعرفة الأخرى دون استثناء. أي إن درس الفلسفة يستعمل كل مكتسبات الطالب المعرفية في عملية التفكير ويستحضرها، ثم سنجد أثر ذلك في شخصية الطالب عند تخرجه أي بوصفه مواطنا مكتمل الشخصية (جسمانيا وعقليا ووجدانيا وذوقيا) يعرف كيف يبني ذاته من خلال بناء وطنه. إن مخرجات التعليم إذن ليست علمية خالصة، وإنما بناء الإنسان المواطن، والفلسفة هي العلم الجامع لكل هذا.
من واقع عملك بالجامعة هل لك آراء أو ملاحظات في مجال التعليم؟
مجال التعليم ملف من أهم الملفات في كل دولة تريد بناء الإنسان وبناء المواطن لكونه أهم ملف تتوقف أمامه الشعوب والدول والحكومات وتبذل فيه كل الجهد المادي والمعنوي وتسخّر له كل الطاقات البشرية القادرة على قيادة العملية التربوية وتطويرها بما يضمن للدولة تحقيق كل مشاريعها ورؤاها الاستراتيجية الكبرى. والعلماء هم المربون الفعليون للإنسان وهم الذين يحملون مسؤولية بناء التصورات التربوية وتوجيه سياسات الدولة ومشاريعها وتنفيذها لأن العلماء هم الحكماء فعلا.
ثم قال :اعني بالعلماء كل المختصين في كل مجالات الحياة بقسميها المجالات النظرية من علماء الوجود والرياضيات والطبيعيات والإنسانيات، والعملية من علماء الأخلاق والتربية والسياسة حسب التقسيم الفلسفي للحكمة. وفي هذا السياق أرجو أن تغير الأنظمة التعليمية نظرتها في تقويمها لأعمال الطلبة والتلاميذ وتبتعد عن تقييم المعلومات الذي لا يقيس القدرات الفكرية والعقلية والوجدانية والجمالية للمتعلم. إذا ما تم تغيير نظام التقويم سيتغير معه ضرورة نظام التدريس. إن دور المعلم ليس نقل المعلومات وإنما وضع الطالب في وضعيات التفكير الحقيقية تحليلا ونقدا إذ لا يعقل أن يتخرج طالب الآداب مثلا وهو لا يحسن بناء جملة مفيدة فضلا عن بناء مقال فكري متكامل. ومن تعطل لسانه تعطل عقله وفكره وقلمه.
نصيحة توجهها لمن يعمل أو مهتم بالتربية والتعليم ويتطلع إلى إضافة الفلسفة على خارطة اهتماماته ؟
حسب خبرتي الطويلة في التربية والتعليم وفي مختلف مستوياته ممارسة وبحثا ومسؤولا بالوزارة أرى أن أخطر مهمة يواجهها الإنسان هي المهمة التربوية لأنها المهمة الوحيدة من بين كل المهام الأخرى التي تتحمل مسؤولية بناء إنسانية الإنسان. فالإنسان ليس أمرا معطى بل هو حالة يكون عليها حسب التربية التي خضع لها. والتربية هي الوحيدة الكفيله بتغيير المجتمع وتطويره وتمكينه من ادوات القوة والفعل والنفوذ. لهذا فإن hنتقاء المعلم والمربي عملية جد مهمة فليس كل عالم في مجال معيّن يصلح أن يكون معلما فيه. التعليم يبدأ صنعة نأخذها من أهل الخبرة من المربين الفعليين وينتهي فنا لم~ا يكون المعلم أمام طلبته محبا لمهمته يدربهم على فن الحياة من خلال تعليمهم لعلم معين. والفلسفة هي المجال الوحيد الشامل الذي يخاطب الإنسان بوصفه إنسانا ويستعمل جميع العلوم والفنون والآداب أي إنها العلم الذي يحمل جميع إمكانيات معرفة الإنسان وتربيته. فنصيحتي إذن بل هو رجائي أيضا أن تكون الفلسفة حاضرة في التعليم الثانوي والتعليم العالي
وفي جميع الأقسام، وخاصة أن يكون لها قسم مستقل في كلية الآداب هذا إن شئنا صناعة عقول مفكرة وشخصيات قوية فاعلة. وبالنسبة لعموم المثقفين والمتعلمين الذين لم تسمح الظروف ليتعلموا الفلسفة أقول لهم يمكن تعويض ذلك فطلب الحكمة يبقى دوما غاية كل عاقل، أليست الفلسفة في معناها العميق محبة الحكمة والسير في طريقها. “إنها البصر في الخير والحق والجمال والتشبه بالله على قدر طاقة الإنسان” حسب تعبير أفلاطون.
هل لكم أن تلهمونا وتلهم المتابع الكريم بشيء من بحر عطائكم ؟
نحن في عصر إن قسنا قيمة الإنسان بكم المعلومات التي لديه نكون قد سوينا بين الإنسان الذي كرّمه الله وأيّ شريحة في حاسوب نستطيع أن نضع فيها ملايين المعلومات في دقائق وجيزة وبتكلفة جد منخفضة، وبأيّ حاسوب تقليدي يستطيع قراءة تلك المعلومات واستحضارها. فإن كان تعليمنا وتربيتنا في عالمنا العربي يهدف إلى شحن دماغ الطلاب بالمعلومات فمن الأفضل تحويل الجامعات إلى مصانع للحواسيب والشرائح المعلوماتية ستكون التكلفة أقل والنتائج أفضل. لأجل هذ فإن التعليم الحق لا يقاس بالمعلومات التي تخزن في ذاكرة الطلاب، وإنما يقاس بالمعارف أي بقدرة الطالب على استعمال عقله الخاص لينتج المعرفة ويبني القيم. وهذا أمر لن تقدر عليه كل الحواسيب الذكية مجتمعة فالذكاء الاصطناعي لا يفكر. وذكاء طفل صغير علمناه قواعد التفكير وخلصناه من إحساسه بالعجز والجبن يكون قادرا على صناعة الفكرة وتحليلها ونقدها وتجديد نفسه وأمته دوما. فمستقبل الأمم أمامها وليس خلفها، وهو بيد أبناء يحبونها. ويحسن أن أختم حديثي معكم بقول للفيلسوف الألماني كانط الذي يقول واصفا واقعنا: “فلو كان لي كتاب يقوم مني مقام العقل، ومرشد يقوم مني مقام الضمير، وطبيب يقرر لي نظام غذائي… الخ، فلن أكون بحاجة إلى تجشّم أي عناء بنفسي. لست بحاجة إلى أن أفكر طالما أن بوسعي أن أدفع، إذ أن آخرين سيتكفلون بهذا العمل المضني”
وفال : يرى كانط أن الحل في طلب الأنوار قائلا: “ما هي الأنوار؟ إنها خروج الإنسان من قصوره الذي هو نفسه مسؤول عنه. قصور عجزه عن استعمال عقله دون إشراف الغير، قصور هو نفسه مسؤول عنه لأن سببه يكمن ليس في عيب في العقل، بل في الافتقار إلى القرار والشجاعة في استعمال عقلك أنت: ذلك هو شعار الأنوار” . لأجل هذا فإن ندائي الذي أرفعه لأمتنا علينا الان أن نرفع شعار الأنوار. فالله نور السماوات والأرض نفخ فينا من روحه فوضع فينا قبسا من نوره به ميزنا عن بقية الموجودات وكرمنا وأسجد لنا ملائكته… فهلا احترمنا هذه الأنوار حتى نعيد لأمتنا مجدها؟ ليس الفتى من يقول كان أبي ولكن الفتى من يقول ها انا ذا.