بعض الابتلاءات و المصائب التي تمر على الإنسان تصنع منه نموذجا يملك المهارة و الخبرة في معالجة القضايا التي تمر عليه .
إليكم أحبتي هذه القصة التي تروي أحد تجاربي في الحياة لقد تعرض والدي الكبير في السن إلى كسر في فخذه و تم دخوله إلى المستشفى إثر ذلك و قد وفقني الله إلى خدمته و بره فكنت مرافقا له و معينا له في هذه الفترة . لقد كانت هذه الفرصة سانحة لي بالاحتكاك بالمرضى والاطلاع على أحوالهم .
– حيث كانت الغرفة تحتوي على أربعة من المرضى المتغيرين بدخولهم و خروجهم و قد لفت نظري شاب مريض عمره ثلاث عشرة سنة كان مجاورا لسرير والدي وقد رخصه الطبيب و لكنه عاد بعد يومين لنفس السرير وقد كان مفعما بالنشاط على الرغم من نوبات الألم الشديدة التي تنتابه فيضج صارخا من شدتها .
فقررت الاقتراب منه .. – عبدالله : السلام عليكم و رحمة الله وبركاته ، كيف حالك أخي العزيز ؟ و هل من الممكن أن نتعارف رد علي بكل ترحيب و حفاوة و عرفني بنفسه .. – أنا محمد . – عبدالله : ما سبب عودتك إلى المستشفى مرة أخرى ؟! – محمد : إنني مصاب بفقر الدم المنجلي والأنيميا الفولية نقص إنزيم الخميرة ( G6PD ) ، فأخرج وأعود حسب نوبات المرض التي تنتابني .
– عبدالله : لم ليس معك مرافق يعينك ؟ . – محمد : إن أبي مزارع ولدي أربعة أخوة من الذكور و اثنين من الإناث و نحن نعيش في بيت صغير و لا يستطيع أبي ترك عمله الذي يتقاضى أجرته يوميا و منه يعيل عائلتنا – عبدالله : بما أنك تعرف الكثير عن مرضك وما عليك تجنبه و أخذه من أدوية و مواد غذائية فلم لا تأخذ الحذر لكي تقلل من نوبات المرض لديك ؟
– محمد : إن الوضع المالي لعائلتي لا يعينني على ذلك فطعامنا يعتمد على البقوليات صباحا ومساء ( إما عدس أو فول ) وذلك لقيمتها المناسبة و قدرتها على الإشباع وسد الجوع ، و كذلك الوضع الجوي غير مناسب فإما برودة شديدة من التكييف الذي يضخ برودته في بيتنا الصغير صيفا أو الحرارة الشديدة من التدفئة و قلة منافذ الهواء التي تسمح بدخول الهواء النقي شتاء.
كذلك بعد المدرسة عن منزلنا يتطلب مني السير لمسافات طويلة و مبنى المدرسة كبير جدا وصفي يقع في الدور الثالث وصعود الدرج يرهقني خصوصا فترة مرضي .. والمستشفى بعيد أيضا ومراجعتي له تتطلب الكثير من المال والوقت مما يرهق والدي .
تنهد محمد و أحسست بالألم الذي يشعر به وأخذت عيناه تدمع لواقعه المرير . – عبدالله : لقد لاحظت أنك تجيد التحدث بلغات عديدة كالفلبينية والهندية والانجليزية فكيف تعلمت هذه اللغات ؟ – محمد : من كثرة دخولي للمستشفى وذلك بمعدل ثلاث مرات شهريا فقد كان لابد من تعلم هذه اللغات ليسهل علي التواصل مع الأطباء والممرضات وبيان حالتي وما أحتاجه .
– عبدالله : لقد سمعت مناقشتك مع الطبيب في الخطة العلاجية و الأدوية المناسبة لك و التي تتحسس منها والتي يحظر عليك استخدامها ، فكيف عرفت كل هذه المعلومات ؟. – محمد : إنني أقرأ و أبحث عن كل دواء أستخدمه لهذا أعرف الكثير عن أدويتي .
– عبدالله : هل تستخدم أدوية بدن وصفة طبية ؟
– محمد : نعم ، أستخدم بعض الأدوية مثل : ( البنادول ) أو ( الباراسيتامول ) و ( البروفين ) التي تساعدني في تسكين الآلام .- عبدالله : هل تعرف أن أقراص ( البارستيامول ) تسبب تليف الكبد أو تشمعه ؟ – محمد : نعم ، سمعت ذلك من الطبيب وقد نصحني أن ألتزم بالجرعة المحددة لي فقط . – عبدالله : أحسنت ، يظهر من كلامك أنك ملم بمرضك .
– محمد : نعم ، فقد قرأت الكثير عنه . – عبدالله : هل هناك أحد آخر مصاب بهذا المرض من أفراد عائلتك ؟ – محمد : لا ، أنا فقط . – عبدالله : ما رأيك ببرنامج الفحص الطبي للمقبلين على الزواج و الذي أقرته وزارة الصحة عام ( ١٤٢٥ للهجرة) و قد ألزمت جميع المقبلين على الزواج بإجراء هذا الفحص قبل عقد النكاح واختصرت هذه الفحوصات على فحص فقر الدم المنجلي والثلاسيميا .
وفي عام ( ١٤٢٩ للهجرة ) تم إضافة المزيد من الفحوصات لتشمل الكشف عن الإصابة بفيروس نقص المناعة وفيروس التهاب الكبد الوبائي ( ب ) و ( ج ) و تم تسمية الفحص ب ( برنامج الزواج الصحي ) . – هل تعرف ماهي الوسائل الأخرى لتفادي النوبات ؟ – محمد : نعم لكن للأسف لا أستطيع توفيرها و ذلك بسبب الحالة المادية التي أخبرتك عنها سابقا .
– عبدالله : لقد سمعت أن هناك نقاشا حول إصدار قانون لتقديم مساعدات مادية لمن يحمل أمراضا مزمنة و كذلك إنشاء مركز دراسات وأبحاث متخصصة لعلاج هذه الحالات
– محمد : نعم ، سمعت عن ذلك و عن التطورات الكبيرة في هذا المجال ، أرجو أن يستفيد منها المصابون بهذه الأمراض . – عبدالله : ما شاء الله ، إنك شخص مثقف وواع على الرغم من صغر سنك فكيف اكتسب هذه الثقافة الواسعة .
– محمد : إنني أحمل الكتب المتنوعة معي إلى المستشفى و أحاول أن أقرأها إذا هدأت نوبات المرض . – عبدالله : وماذا عن المدرسة ؟ شعر محمد بغصة و أجاب بحرقة و عينين دامعتين .. محمد : إنني أعاني كثيرا من تأخري في دروسي ومن أعذار الغياب التي أقدمها للمدرسة لإعادة الاختبارات المؤجلة ولكن الحمد لله فقد سخر لي جارنا وهو مدرس حيث يقوم بتدريسي ما يصعب علي من المواد وبجدي واجتهادي أعوض ما فاتني وأحاول أن أواكب زملائي فيما تعلموه . استأذنته وتمنيت له دوام الصحة والعافية .
مرت الأيام و أنا أراقب مريضنا محمد الذي كان مليئا بالحيوية و البشاشة و بنشر السرور فيمن حوله فقد كان اجتماعيا بامتياز وشعلة من النشاط في حالة خفت أوجاعه و آلامه .
يبث روح الأمل والفرح لدى المرضى الكبار و الصغار .. يقدم مساعدته للجميع في الترجمة و دخول دورة المياه وإعطائهم ما يحتاجونه من لوازمهم الشخصية حتى أن بعض المرضى يستمر في زيارته و السؤال عنه حتى بعد خروجه من المستشفى .
حقا إن مرض فقر الدم المنجلي مرض مرهق و شاق على من يحمله فأتمنى أن يتم القضاء على هذا المرض في الأجيال القادمة أو أن يحد منه حتى لا يعاني شبابنا وفتياتنا من هذا المرض و نفقد طاقاتهم الشبابية الفتية في بناء المجتع والوطن .
إعداد الفني الصيدلي : عبدالله اليوسف