من بين الطقوس الدافئة وبالعصر الأسود والأبيض وبالوحدة التي تستاء وتمل مني في بعض الأحيان ومن بين نغمات الموسيقى القديمة التي تتسلل مسامعي وتأسر قلبي أخذتني الرجفة استحوذني برد قارس من قمة رأسي حتى الخنصر من قدماي جمدني حتى كدت لا أستطع احتضان فنجان قهوتي .
يداي ترتجف وكأنه امام عيني ملك يهددني بفنائي من حياتي تشبثت بمعطفي الصوفي الأسود أغمضت عياني بشدة شعرت برغبة هائلة بالبكاء ولكن دموع عيناي أصبحت كالثلج المتجمد على الحدود الشمالية وعيني تلك المنطقة المتجمدة بدأ يقلبني الحزن يُمنى ويُسرى .
ومع كل هذا هناك أصوات الغراب الأسود على اغصان اشجاري الخضراء تدخل بنفسي الرهبة . وأعاصير وغيوم سوداء وهطول أمطار غزيرة تبعثر بعياني صور الذكرى وذكرى أخرى تضاعف الهم والحزن تتكلل به أكثف من ذلك وتشعرني أكثر بالوحدة .
وفي كل حين تزيد زخات المطر بزخات ثانية وحتى الأخرى ويتزلزل قلبي كزلزال تلك المدينة في المرة الماضية وهي الأخرى وأضطرب وأنا متشبثة بمعطفي من الرهبة حتى سقط فنجان القهوة وتبعثر باقي قهوتي التي لم أرتشفها بأكملها حتى أصل إلى الثمالة صرخت بصخب من سقوطه والبعثرة وانا بغرفتي التي تؤرقني بالوحدة والحيطان الأربعة .
اجهشت ببكاء بلا دموع ولم يسمعني أحد سوى عجوز يملأها النور من بين العتمة أخذتني بين ذراعيها وقريبة من أيسرها النابض بحل كمولود تنبع منه البراءة والمودة وشعرها الأبيض الحريري ونظرات عينيها الزرقاء كالبحر وابتسامتها كاللؤلؤ .
وأخذت تُقلب براحتي يداي وتسألني عن نحيبي وبكائي عن همي و دمعاتي المتجمدة فلم أجبها لأستغرابي وأطلت السكوت ولم يدعها الفضول بإن تعود الى مقرها دون استجوابي أخذت بفنجاني الأبيض الذي من بينه قهوتي السوداء المتبعثرة وبدأت تُقلب وتتأمل نظرت إلي بابتسامة أمل وقالت يا صغيرتي لا تتألمي ودعي الحزن لأهله فما مكتوب عليك سوى عشق أبيض كطير بالسماء الواسعة .
صغيرتي سوف تعشقين ذاك الأسمر ذات العينان الصغيرة و ذات الشفاه العنقودية . ابتسامته نور وضحكته موسيقة حب هادئة .وقلبه حبة توت وأنتِ حواليه ورد جوري ذات حين وحينٍ آخر توليب فـ سبحان المعبود من ذلك المُنتظر .
فلا تدمعي عيناك الواسعة ولا تكسري ابتسامة شفتيك التوت على حزنٍ وأسى . واجعليني أصفف جديلتك بكل حب بين يدي وأزينها بِـ طوق ود من ياسمين حتى يتكرر هذا الحدث من جديد وفي كل صباح مع زقزقة العصافير من أسير فؤادك الأسمر .
فحياتك يا صغيرتي كلها دروب من ورد أحمر لا نهاية لها يتكللها الشوق والعناق وموسيقى فيروز ومن جانب آخر قليل من عبدالحليم و أم كلثوم وكل أنواع الغزل . والقصائد لن تُكتب سوى لكِ منذ عصر الأسود والأبيض ..
لاتنظري إلي بإستغراب ورهبة فـ أنا كذلك التي كنت مُنتظره أحدثك عني بالإختصار الشديد أنا العجوز قارئة الكف والفنجان فـ قدرك يا ابنتي هنا مكتوب بين كفيك وفنجانك الأبيض فـ سبحان المعبود ..
بقلم : فاطمة العيد