مما لاشك فيه أنّ الوعي لأهمية التغيير والتنويع في أساليب الفهم والثقافه ونشرها بين طبقات المجتمع كانت مفتاحاً للتحضّر والارتقاء في كافة المجتمعات على مر العصور، مع الاختلاف والتباين في درجة ومستوى هذا الوعي الفكري والتفتّح الثقافي، فلو نظرنا بشكل سريع إلى تقنيّة التدوين والكتابة – كشاهد على فكرتنا – وتطوراتها بين المسماريه ٣٦٠٠ق م ، أو الهيروغليفيه ٣٤٠٠ق م وغيرها، إلى أن ظهرت الأبجديه، فقد تتجلى لنا فكرة أن التقدّم واستمرارية البحث عن الأفضل والأكمل دائماً هو ديدَن المجتمع الإنساني منذ القِدم.
وربما يعود السلوك المعرفي عند الانسان أو الفضول والرغبة في الاستكشاف وتقصّي الحقائق، إلى طبيعته العاقله والمفكره، باعتبارها عاملا محرضاً للتطور والتقدم، فمنذ أقدم العصور وهو مهووس بتأمين حياته وتوفير سبل راحته، وكل ذلك دافع للبحث والتقصي والاكتشاف. ولكون الإنسان كائنٌ اجتماعي فقد أسهم الفرد دائماً في تطوير مجتمعه ، وبطريقة أو بأخرى انتشله من حالةٍ إلى أخرى أفضل وأكثر تقدّماً وفاعليّة عن طريق فكرة مضيئة.
ولو نظرْنا لمنهج الدين الإسلامي من ناحية (الدين والتغيير) نجدْ أنّ من أهم القواعد والأنظمه التي وضّحها للأمة قاعدة أساسية (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ )سورة الرعد الآية ١١، وربما يستوقفنا هنا ورود كلمة ( قوم) التي تحمل دلالةً جمعيّة ، وليست فرديّة ومما لاشك فيه أنّ لذلك أبعاداً تنْدَرجُ ضمن المنهج القرْآني الملائم لكافّة المجتمعات والعصور .
يقول (رينيه ديكارت )فيلسوف ومُفكّر فرنسي: أنا أفكر، إذن أنا موجود . وفي زمنٍ تكثر فيه قنوات التلقّي والتأثير وتتزاحم التوجّهات الفكريّة والكمّ المعلوماتيّ الهائل ،فقد يتبادر إلى الأذهان تساؤل وهو: الطاقه الكامنه بعقول الشباب والأطفال الى أين؟ أليس من الأفضل ابتكار منهجيّات وطرق للحفاظ على سلامة الإنتاجيّة الفكرية للأجيال !
تقول إحدى الأمهات: يقضي ابني المراهق (١٤ سنه ) في مشاهدة برامج الجوال من يوتيوب ومشاهير السناب شات ولاحظت ان اكثر مايتابعه هم الكومنترز او المعلقين ، ومعظم تحديثاتهم عباره عن نكت وغناء ومزح ومقالب (سامجة) ، تقول : نَصحتهُ بِدَوري أن يحدد للترفيه والضحك وقتاً ، وأن يشاهد مادة تفيده وتنمي مهاراته وميوله الفكريه ، كالرسم أو الرياضيات ،حتى يستغل هذه البرامج في المفيد أيضاً .
لايمكن التغافل عن مدى التأثير السلبي لهذه القنوات الضارّة على مستقبل شريحة كبيره من الأطفال والشباب ، وذلك بدوره يشكّل خسارةً كبيرة لههم ولمجتمعهم ووطنهم ، باعتبار أنّ كل عقليّة هي كنز ثمين يجب استثماره والانتفاع بنتاجه .
قبل أيام تداولت مواقع السوشال ميديا خبر عن فتى ياباني(كانغو سوزوكي) ، الذي ابتكر ساعةً تعمل بدون كهرباء أو بطاريات ، اعتمد في تصميمها على الفكره ذاتها للدمى الخشبيه المتحركة التي تشتهر قريته بصناعتها ،الساعه هذه تعمل بشكل دقيق يعتمد على عدد كبير من مفاصل خشبيه وتروس صغيره ، تكتب الوقت كل دقيقة .
كانغو سوزوكي هو أنموذج فقط لطفل توجهت طاقته الفكريه الى مسارها الصحيح، فهو كأي طفل ياباني تأسس فكره ووضع في المسارِ الأفضل منذ الصغر و منذ مرحلة الحضانه (حسب ماتفيده موسوعة الويكيبيديا، بأن التعليم في اللغه اليابانيه “كيو-إكو” وهي تتكون من حرفين “كيو” والذي يعني “التشجيع على التقليد” (بمعنى تقليد ما يفعل الآخرون، وهو أساس عملية التعليم) وحرف “إكو” (والذي يعني “تربية الطفل” وهذين الحرفين يعبران عن جوهر العملية التعليمية في اليابان حيث بدأ باستخدام هذه الكلمة بدأ من فترة إيدو. [بحاجة لمصدر )( ارمِ لهمْ بذْرة ، تحصد الوافر من الثمار) .
– إنّ منطلق التغيير والتأسيس الأفضل ليس حِكراً على جهةٍ محدده دون غيرها فالأسرة: لأنها المكوّن الأول والأساسي لبناء شخصية الطفل ، وأيضاً لمدى تأثّر الطفل بسلوك والديه وإخوته واقتدائه بهم بقصد أو بدون قصد؛ وفي المدرسة لايمكن إغفال دور المعلمين والمعلمات، والبيئة الدراسيه والمناهج التعليمية ، ومدى ملائمتها وكفاءتها فيما يتعلّق بتنمية النشء تنميةً شامله ومتكاملة، وكذلك دور الأصدقاء والمجتمع ، كلهم يحملُ جزْءاً من مسئولية التوعية والرقيّ الاجتماعي والثقافي ، وقد أثبتت التجارب على أرض الواقع فاعليّة هذه الأدوار .
–
ويمكننا المصادقة على (انحصار تفكير الفرد في التطور كفرد واحد هو عامل للتأخير الاجتماعي ) وذلك لأن خارطة الحِراك بإثر هذه التفكير تكون ضّيقةً ومحدوده ولا تتجاوز خليّة واحدة من خلايا المجتمع، بينما لو اتسعت خارطة التفكير والهم الثقافي فإنها بالتأكيد ستكون واسعة وفضفاضة ، ليشمل التغيير حيزاً أكبر ،
أخيراً سنكتفي بقول الكاتب والفيلسوف المصري مصطفى محمود: (وكل ذات منا تحمل حقيقها معها وتحمل خصوص وصفها معها ولا يجعل الله لقدراته سبيلا اليها الا من حيث إعطائها لبسة الوجود الخارجية وإعانتها على الفعل بحسب خصوص نياتها).
نوره النمر