أم حبيب امرأة مثال للمرأة العاملة، احترفت صناعة الخوص، لتعيل نفسها وبيتها وتعيش بعز وكرامة من عمل يدها وعرق جبينها. الحرفة اليدوية ليست مجرد تراث يجب الحفاظ عليه، بل مصدر رزق وفن وذوق في الصنعة واستمتاع في ممارسة المهنة. ومن هذه الحرف صناعة الخوصيات من الحرف الشعبية العريقة في تراث الأحساء نتعرف على هذه الحرفة من خلال
تقول أم حبيب لقد تعلمت على يد والدتي الضريرة وأنا في السابعة من عمري كما تعلمت من عمتي وخالتي فوالدتي دائمًا تلح علي تعليمي كونني فكانت تقول لي أنت من ستعولينهم من بعدي وفعلًا كنت ظلها عند سف الخوص ففي بدايتي وجدت صعوبة في تعلم هذه المهنة فجعلت اتخبط فيها إلى أن أصبحت محترفة في عمر الخمسة عشر ربيعًا ومن ذلك الحين هي مهنتي الأساسية التي أقتات منها أنا وأبنائي
تنهدت قائلة حاولت جاهدة تعليم أبنائي هذه الحرفة لكنهم رفضوا رفضًا قطعيًا معللين بأنها مهنة قديمة لاتتماشى مع العصر الحديث فهم يفضلون الانخراط في المهن الحديثة كالعمل المكتبي أو تعلم فنون المكياج ويفضلون الركون للمنزل والعناية به وبالزوج دون تعلم هذه الحرفة.
وأردفت ام حبيب بأن امتهانها لهذه الحرفة لم يكن مصدر رزق فحسب بل أنها تجد معها أنس وسعادة ومتعة خاصة عند احتضان السعف بين يديها وسفه وتمرير الأبرة في اروقته لتخرج لنا بقطع متباينة الأشكال والألوان، فتجد ماتصنعه لوح تراثية تتفنن بتشكيلهم وتلوينهم.
وحول أسعار الخوصيات تشير أم حبيب بأن الأسعار بيع الخوصيات لم تكن كالسابق فقد ارتفعت بارتفاع الأسعار عامة وبذلك ارتفع معها قيمة الخوص والصبغ وتطورت الألوان لتدخل ألوان أخرى غير اللون الأحمر والأخضر المتعارف قديمًا فالقفة مثلًا كان سعرها سابقًا ريالين ونص أو خمسة أما الآن فسعره يتفاوت بين العشرين والخمسين فشكرت الله وحمدته
وأضافت بأن هذه المهنة مرودودها جيد جدًا وأن هذه المهنة انتشلتهم من وحل الفقر والعوز وأبعدتهم عن الاستجداء، فتجدها أمان من الفقر فهي تساهم في توفير الغذاء والملبس من عرق الجبين فعاشت تحت ظلها عيشة كريمة
وتكمل أم حبيب حديثها أن من الاختلافات التي سهلت علينا السف هو اختلاف الخيوط فسابقًا كان الخيط من عقب الخوص ذاته فنجد صعوبه بسحته وخياطته أما الآن فالخيوط بلاستيكية ومتوفرة بألوان عدة والخياطة به أسهل بكثير. والحمد لله الخوص مازال يلاقي إقبال عليه بل زادت كمية البيع فيه خاصة في المناسبات فالسفر باحجامها المختلفة والبهانس أكثر المنتجات بيعًا أما القفف والبهانس تعتبر الأكتر رواجًا في مناسبة الناصفة وفي شهر رمضان والقرقيعان
وعن سعره والحصول عليه تقول : نقوم بشراءه والسعر بحسب الشدات حيث يتراوح بين مئة وعشرين ومئة وثلاثين ريال وبعد شراهء نقوم بتنظيفه وسفّه بأشكال عديدة فبعضها يستغرق وقتًا طويلاً من أسبوع لثلاثة أسابيع كالسفرة والقفة فعملهم ينهك لدرجة يصاحبة آلام في الظهر خاصة السفرة وبعض المنتج لايستخدم كالماضي بسبب التطور التكنولوجي مثل المخمة والعسو للأسف لا أحد يعرف مزاياه فهو يعتبر جالب للطاقة ومنظف جبار للغبار العالق على السجاد والكنب لو بللناه بالماء ونظفنا به.
اما المهفة الآن فشرائها لاقتناء الزينة وتراث الأجداد أو لإشعال الفحم للشوي ،أما الزبيل او مايطلق عليه بالمرحلة فله زبائنه الخاصين لحمل التمر والرطب وعليه إقبال خاصة في المناسبات فيكثر البيع أثناء إقامة المهرجانات والإحتفالات العامة وعن مشاركتها تقول
لقد شاركتِ في معارض لعرض منتجات الخوص حيث كانت لجمعية فتاة الأحساء الفضل الكبير في ذلك منذ سبع سنوات تقريبًا فهي من أبرزتنا من خلال المشاركة في الأسواق الشعبية والمعارض وقد استضافتنا الكثير من الأماكن الأكاديمية ابتداءً من الروضات للجامعات والكليات وكل من يطلبنا نحن بالخدمة في نطاق الأحساء فقط ولم يكن لي نصيب للمشاركة في صناعة أكبر سفرة في العالم بل اشتركت في صنع أكبر قفة وحينها كان عددنا 60 امرأة ومدة عملها استغرق 45 يومًا.
وتذكر أم حبيب بأن علاقتها بالخوص وطيدة فالمهنة جميلة جدًا ومتطورة وأجد نفسي متكيفة معها فأصبحت جزءً من حياتي وستبقى المهنة الجليلة التراثية التي تعكس صدى الآباء والأجداد وستظل عابق لن يندثر على مر العصور والجيل الجديد مسؤول عن رعايته لاستمراريته وبقائه، فالمهنة بسيطة غير مكلفة ماديًا وجسديًا. ضحكت وأنا أنصح الجيل الواعد بتعلم هذه الحرفة وبشدة ليمتد عمرنا وعمر تراثنا فنحن لن ندوم ويجب ألا نكتفي بالمهن الجديدة وأتمنى هذا من الجيل الحالي أن يساهم في استمرار هذا الموروث حتى لايندثرفتعلمهم لحرفة الأجداد استمرار للحياة والحفاظ على الماضي.
1 ping