إن مواقع التواصل الاجتماعي تشكل مجموعة من قنوات الاتصال بين الأفراد عن طريق ما يسمى بالشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، وهي متاحة للجميع، ويمكن الولوج إليها عن طريق الحاسوب أو الهواتف الذكية، وذلك بمجرد التسجيل واتباع التعليمات.
وإن الهدف منها هو تقريب المجتمعات مع بعضها، وتبادل المعلومات بحيث يمكن لأي شخص البحث عن المعلومات بكل سهولة، والتعرف على مصداقيتها؛ ولذلك نرى أن كلًّا من الحكومات والمؤسسات العالمية، وحتى الشركات الناشئة تقوم بفتح حسابات لها على هذه المواقع؛ للتواصل مع المجتمع وتقديم كل ما يحتاج إليه بسهولة ويسر.ومن ناحية أخرى، نرى بعضًا من هذه المواقع مخصصة للترفيه؛ إذ إن محتواها مواد رياضية وأفلام وغيرها من مواد الترفيه التي يستمتع بها الناس في أوقات فراغهم.
إلا أن بعضًا من أصحاب النفوس الرديئة الذين لا خلاق لهم، هؤلاء الذين ما إنْ يدخلوا في شيء إلا ويسعون إلى تدميره، نجدهم في كل مواقع التواصل الاجتماعي يحاولون إسقاط الشخصيات التي تجذب الناس إليها عن طريق الكلمات الرنانة الصارخة؛ لإنقاذ مجتمعاتهم من وهْمٍ كانت تعيش فيه، أو فكرة غير صحيحة كانت تعتقدها، فنراهم يشتمون ويكذبون، ويسعون جاهدين لإسقاط هذه الشخصيات بخَلْقِ الأكاذيب والتشهير، وينتظرون اللحظة التي تقع فيها إحدى هذه الشخصيات في خطأ ما، وكأنهم معصومون من الأخطاء، أو أنهم ظل الله في أرضه.
والآن يمكننا أن نتساءل: ما هي تلك العقدة التي تتزايد كل فترة من الزمن في مواقع التواصل الاجتماعي؟ وما السبب خلف تلك الهجمات على تلك الشخصيات؟ أيريدون أن يعيش الناس في تخلفهم ولا يتقدمون قيد أنملة؟ لقد أصبحنا في زمن تقاربت فيه المجتمعات، غير أن بعضهم يعيش حالة من الفوضى ومن العُقد النفسية، وهؤلاء يعتبرون التشهير بالناس هواية،
ولا تطيب نفوسهم إلا بتتبع عورات الناس وأخطائهم، بل تطور الأمر ببعضهم إلى الذهاب إلى تحصيل العلوم في شتى المجالات لا حبًّا في العلم والاستزادة من المعرفة، بل للمجادلة والانتصار للرأي وإفحام الخصم، وهؤلاء يفتقرون إلى أسلوب الحوار العلمي والأخلاق الإسلامية التي نقتدي فيها برسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الذي لم يُبعث إلا ليتمم مكارم الأخلاق.
وليس هذا الأمر بجديد؛ فقد رُوى عن الأمام الصادق عليه السلام أن “مَن رَوى عن مؤمن رواية يريد بها شينه، وهدم مروءته؛ ليسقطه من أعين الناس، أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان.” (بحار الأنوار، ج72، ص216).
هنا يبين الإمام المعصوم -صلوات الله عليه- فيما يخص إحراج المؤمن وإسقاطه من أعين الناس، أن مَن يفعل ذلك يكون من أراذل الخلق؛ إذ يخرج من ولاية اللطيف الخبير إلى ولاية الرذيل إبليس، فتعسًا لمَن أطاع إبليس وزمرته، وحكم عقله ودينه وفكره لنصرة رأيه والانتقاص من الآخرين.
إن الذين يسعون لهدم ما بناه الآخرون، وتتبع عوراتهم، والانتقاص منهم، يكونون أكثر عرضة لجنون العظمة أو ما يسمى بالميغالومانيا؛ وهو ذاك الشخص الذي يتبع هواه في كل شيء سواء أكان مصيبًا أم مخطأ؛ فيرى في نفسه العجب، يقول أمير المؤمنين صلوات الله عليه: إعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله. فيكون إعجابه بنفسه طريقًا إلى إثبات الأنا التي يعتقد فيها، فيريد من الناس أن يخضعوا له ولآرائه السقيمة التي لا نفع من وراء اتباعها. وللأسف نرى بعض الجهال يصفقون له ويشجعونه على اتخاذ تلك الآراء المعوجة عقلًا وخلقًا.
قال سبحانه تعالى: ﴿لاَ يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ﴾ [سورة الحجرات: الآية11] فيا ليت مَن يدعون الإسلام أن تعي أذهانهم هذه الآية المباركة، وكم فيها من أمر إلهي يرتقي به المجتمع، ويكون ذا خلق رفيع.
يقول علماء النفس: إن هذه الظاهرة تسمى بالشخصية السيكوباتية، وهي تلك الشخصية الناقمة على المجتمع، والتي كثيرًا ما تعارضه لكسب الناس من حولها وجعل المجتمع في وضع مزرٍ متخلف، ولايعلم هذا المتحامق أنه جعل من نفسه شخصية وضيعة تافهة لا يتبعها إلا شرذمة قليلة من الجهال المطبق على جهلهم من أمثاله، فحين يرى أمثال هؤلاء كأنهم مرآة له يطغى ويفجر.
وفي النهاية، أقول لمجتمعي الراقي بأخلاقه وعلمه ومعرفته: انتبهوا من هذه الحالة الاجتماعية التي نمر بها، فلا بد من الوعي بهذه الحقيقة التي نعيشها في مجتمعاتنا، وأن نقف ضد هذا الخلل، ونحاول جاهدين إسقاطه وتضعيف مكانته؛ ليندثر ويجرفه سيل العلم والمعرفة والأخلاق بعيدًا، فهكذا ترتقي المجتمعات.
هاني بوجبارة