
* هناك ظاهرة بشرية مزمنة يعاني منها الإنسان في كل مكان وزمان تتلخص في الآتي : كثير من المثل والأخلاقيات يتفق العقلاء على أهمية ووجوب الإلتزام بها وتفعيلها في الحياة اليومية وفي التعامل مع الآخر ، ويعتبرون أن جملة من السلوكيات يجب التقيد بها ويعدون ذلك أمر بدهي لايختلف فيه اثنان وهي ضرورية لأن تسود بين الناس من أجل تعافي وسلامة العلاقات بينهم ،
مثل ( الصدق والحلم و العفو والصفح وعدم السخرية والاستهزاء بالآخر وعدم الكره وعدم الاغتياب وتجنب بذاءة اللسان والكف عن الشتم والسباب ووووو) ، فهناك إجماع عند الناس على التسليم بهذه الآداب ووجوب ترجمتها عملياً على الواقع ، لكن هذا على المستوى النظري ، وإما على المستوى العملي فنجد هذه القناعات عند البعض ماتلبث أن تتبخر عند أبسط اختبار،
مع أنه يؤمن إيماناً راسخاً بها وبمضامينها وأن سقف التقيد بهذه الأخلاقيات يبدأ في التراجع في بعضها وينعدم في بعضها الآخر ، وتراه يطبقها بحذافيرها عند قوم ويشطبها تماماً عند قوم آخرين ، فتجد نفسك أمام شخصيتين في شخص واحد بنسختين مختلفتين ليس بينهما أي تشابه ، وحتى نضع النقاط على الحروف إليك بعض الصور واللقطات من واقعنا المعاش تجسد هذه الحالة عند جملة من الناس :
١/ في أيام الصداقة الأولى يلتزم الأصدقاء بأعلا مستوى من الأخلاق والآداب ويبدأ سقف هذه الأخلاق بالانخفاض التدريجي حتى يكاد أن ينعدم مع مرور الأيام ولسان الحال يقول : ( عند الأحباب تسقط الآداب ) مع أن ديننا الحنيف يرفض التنازل عن أي أدب مهما كانت المبررات ، نعم قد ترتفع الكلفة والرسميات بين الأصدقاء لكن لايعني ذلك سقوط الآداب بين الأحباب .
٢/ يلتزم البعض بالأخلاق الفاضلة في محيطه ومعارفه ومع من تربطهم علاقة معه ، فعند حدوث مشكلة مع من يعرفه تجده يلتزم جانب الحكمة في معالجتها ، لكنك تجد هذا الشخص ذاته يتحلل من كل خلق عند حدوث أي مشكل مع من لايعرفهم .
٣/ البعض يرى أن الأخلاق لايستحقها الكل ، فيبدأ في التصنيف ، فهو يراها أنها مستحقة لجنسيات معينة ويجب أن يحرم منها جنسيات أخرى كالعمال والخدم الأجانب فترى الاحتقار والتعسف في المعاملة لهذا الصنف من البشر ، مع أن أمير المؤمنين ( ع ) له قول جميل في هذا الشأن : ( الناس صنفان أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق )
٤/ تبرز هذه المشكلة بالخصوص عندما يسافر البعض إلى دولة أخرى فتخاله شخصاً آخر فيرى نفسه في حل وانعتاق من أكثر مبادئه ومثله وأخلاقياته التي كان يؤمن بها ، ففي تعاملاته ماأسرع أن يسخر ويتشاجر مع الآخرين لأتفه الأسباب ، والغضب والتجهم هو سيد الموقف مع من يختلف معه ، فتراه شخصاً انفعالياً يفقد توازنه عند أدنى سبب .
٥/ يتظاهر البعض أمام الآخرين بتعامله الراقي والمهذب مع أبنائه ، لكنه إذا أنفرد بهم في المنزل ينقلب وحشاً كاسراً ويتجرد من جميع الأساليب التربوية التي تعرف عليها وآمن بها عندما كان أمام الآخرين .
* السؤال : ماهو الموقف المطلوب ؟ هو التوسط في الأمور ، فمن الصعوبة أن يوحد الإنسان سلوكه أمام الجميع وفي كل مكان وتكون أفعاله نسخة طبق الأصل مع القريب والبعيد ، إذن المطلوب أن لايكون هناك تنافراً تاماً بين مايؤمن به النفس داخلاً وبين مايفعله خارجاً ، بل يجب أن يكون هناك تلاق وتصالح مع النفس في الداخل والخارج .
* بعد هذا يمكننا أن نسأل أنفسنا سؤالاً قد يبدو غريباً جداً : متى تكون أنت أنت ومتى تكون أنت غيرك ؟
* الجواب : إذا تشابه وتناغم الداخل مع الخارج وتلاقى داخلنا مع خارجنا ، ولم نعش بشخصيتين متناقضتين حينها لن تكون أنت غيرك بل سوف تكون أنت أنت .