إن الإنسان بفطرته يتساءل ويبحث ويتحدث عما يعتقده، بغض النظر عن دينه، وطائفته، وعرقه، ومجتمعه الذي ينتمي إليه. وإن الشخص الذي يعتقد أن الإسلام هو الدين الحق وتعامله في هذه الحياة كلها مبني على أساس هذا الدين المبين فمن الطبيعي سيكون له أوقات يتكلم فيها عنه ويبحث ويتساءل بل وينشر في أوساط الناس.
أن ما يعتقده هو الدين الصحيح والطريق الصواب بالحجة التي هو أعتقد بها بالأدلة الناتجة عن بحثه وتدقيقه. ومن الممكن أن يوافقه البعض أو يخالفوه او حتى يصححون له بعض ما يتبناه من أفكار وإعتقادات. إذنً لا بد للإنسان من مجالسة العلماء في جميع التخصصات وخصوصا طلبة العلوم الدينية.
والحرص على تعلم العلوم الدينية التي ينتفع بها في الدنيا والآخرة فهذا ايضا ناتج عما يعتقده فإن من أبرز الآيات القرآنية التي تدعو لطلب العلم وتحث على السعي للتفقه في الدين ومعرفة الأحكام الشرعية قوله سبحانه وتعالى في كتابه المنزل على رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم:
(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) التوبة آية ١٢٢، ومثل هذا ما أوصانا به أهل بيت النبوة عليهم السلام، فعن رسول الله صلى الله عليه وعلى آلهِ وسلم أنه قال: (طلب العلم فريضة على كل مسلم الا وان الله يحب بغاة -أي طالب- العلم) .الكافي:ج١ ص٣٠.
وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما الصلاة السلام ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (العالم بين الجهال كالحي بين الاموات، وإن طالب العلم يستغفر له كل شئ حتّى حيتان البحر وهوامه وسباع البر وأنعامه، فاطلبوا العلم فإنه السبب بينكم وبين الله (عزّ وجلّ)، وان طلب العلم فريضة على كل مسلم). الأمالي للشيخ الطوسي ص٥٢١. ولهذا فقد حث أهل البيت عليهم السلام على مجالسة أهل العلم لما فيه من الخير والمعرفة والبركة ورضى للخالق سبحانه وتعالى فلا يمكن لأحد أي كان أن يعترض على أي متعلم بأي حجة كانت.
وإن الإسلام قد منح الحرية العلمية والتعلم والإجتهاد للناس ودعى للتفكر في شتى المجالات سواء أكان المجال ديني و غير ديني فهذه المجالات تدعم الإنسان في تقوية فكره ودرايته في العلوم والمعرفة وليس الإسلام فقط ما يدعو لذلك
بل العالم أجمع يدعم الحرية العلمية والفكرية وبه يتقدم الإنسان ويتطور في هذا الكون الفسيح، وإن وجود بعض الشرذمة من غير المثقفين الذين يمنعون التعلم ويقصون المتعلم لا يرتقي بهم مجتمع ولا يتطور بهم عالم فهم عبء على بلدهم بل هم أعداء التقدم وأعداء التطور وسيظلون خائنين لمجتمعاتهم. ولربما يقول بعضهم إن قراءة بعض الكتب قد يؤدي إلى الإنحراف الفكري والعقائدي بل وحتى الأخلاقي والرد على ذلك ما ذكرناه سابقا
حيث أن أهل البيت عليهم الصلاة والسلام حثوا الناس على مجالسة العلماء فإنهم السور الحصين الذي يحيط بالمؤمنين من الإنحرافات ومن طرق الشيطان، ومن هنا يجب على الإنسان أن يعرف إن أشرف العلوم وأعظمها هو التفقه في دين الله سبحانه وتعالى
فقد روي عن إمامنا الباقر عليه الصلاة والسلام أنه قال: (متفقه في الدين أشد على الشيطان من عبادة ألف عابد) بصائر الدرجات ص٢٧. وورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من خرج يطلب بابا من العلم ليرد به باطلا إلى حق أو ضلالة إلى هدى، وكان عمله ذلك كعبادة متعبد أربعين عاما) الأمالي للطوسي ص٦١٩.
فنحن الآن في زمن تقاربت فيه البشر بسبب تقنية الإنترنت وانتشرت الأفكار المتنوعة وهذا أدى إلى تطور فكري كبير في المجتمعات فصارت الناس تعرف بأنفسها وتجاهر بإعتقاداتها في جميع العالم وهذا ما تسبب في صراعات فكرية نعيشها كل يوم كأفراد ومجتمعات محافظة ومن هنا لابد للإنسان أن يتسلح بسلاح العلم الذي به يذب عن الدين الإعتقادات الباطلة ويرمي الجهل بعيداً عنه. وأنا في الحقيقة أتعجب مما أراه من بعض الأشخاص الذين يسألون اسئلة استفزازية بسخرية ووقاحة وهذا ما يبين ضحالة علمهم وغرقهم في مستنقع الجهل ويسألون
كالتالي: ( لماذا تقرأ الكتب ؟ لماذا حديثك يكثر عن الكتب الدينية ؟ الفلسفية ؟ المنطقية ؟ لماذا تعتقد ما تعتقد به ؟ – بل يتعدى أحيانا ويسأل – لماذا تجالس العلماء وطلبة علوم دينية ؟!! ) ويا لها من أسئلة تكسر القلب وتحزن الضمير الحي. إن هذا الصنف من البشر لا يريد منك أن تتعلم شيء أبداً بل حتى أنه لا يريد منك أنت تتعلم تفاصيل دينك ويستقبح ويشنع ذلك!.
وأخيراً أقول وبكل حرقة على مجتمعي ووطني من هذه النماذج،أيها الناس نصيحتي لكم بأن لا تعروهم أنتباهكم ولا تُشتتوا أفكاركم بهم أقرؤا ما شئتم من الكتب وتعلموا ما شئتم من العلوم التي تطوركم و تطور مجتماعاتكم لكي نحيى حياة كريمة يسودها العلم والمعرفة ونقفز ونعتلي قمم الدول الأخرى فلا الحرب ترفع من شأن الدول ولا إقصاء الآخر يجعل لدولتك منزلة عظيمة بل القراءة والمطالعة ومجالسة المثقفين وإحترام العلماء ونبذ الجهال الذين لا يريدون لمجتمعنا خيراً.