سوف يكون حديثنا عن البعثة النبوية في ثلاث محاور :
١/ رسالة المصطفى بين التبشير والتحذير .
٢/ الرسالة ومهمة التذكير .
٣/ خاتمية الرسالة
1⃣ المحور الأول : ماهو الأصل في بعثة الأنبياء هل هوالترغيب والتحفيز أم الترهيب والتحذير ؟ هل هو لغة المكافئة والثواب أم لغة الزجر والعقاب ؟
اعتمدت الرسالات السماوية على مبدأ تربوي فعال في تبليغها لرسالتها للناس وذلك بتغليب مبدأ البشارة والترغيب على مبدأ النذارة والتحذير ، فالأصل في بعثة الأنبياء هو التبشير وليس التهديد والوعيد وأنهم رسل حب وسلام وتسامح ، اعتمدوا في اطروحاتهم على تقديم الثواب والعفو والمغفرة وتأجيل العقاب والعتاب والزجر ( وماأرسلناك إلامبشراً ونذيراً ) ( رسلاً مبشرين ومنذرين ) ( وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين )
وقد قدمت الآيات البشارة كمهمة رئيسة من مهام الأنبياء اتجاه الناس وأتت على ذكر الإنذار والتحذير كمرحلة ثانية وثانوية وقد أكد ذلك الله في محكم كتابه الكريم بقوله تعالى ( ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله أن الله يغفر الذنوب جميعا )
2⃣ المحور الثاني : هل تعاليم الأنبياء جاءت منسجمة مع العقل البشري وماجُبل عليه أم أنها تتصادم مع مسلمات العقل ومدركاته الفطرية ؟
إن رسالات السماء في مجملها لم تأت بمضامين وتعاليم جديدة وغريبة وأجنبية على العقل البشري وإنما جاءت بتعاليم وأحكام تتجاوب مع فطرة الإنسان ومرتكزاته العقلية ، واقتصرت وظيفة الرسل على ترسيخ تلك التعاليم وبعثها من جديد ،
فلقد خلق الله الإنسان وأودع فيه استعداداً وأرضية خصبة لعوامل الخير والفضيلة والصفات الحميدة وجاء الرسل لتذكيرهم بها وصقلها وتهذيبها ، كما قال تعالى ( فذكر إنما أنت مذكر ) وقال ( ص ) : ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )
3⃣ المحور الثالث : خاتمية الرسالة : لماذا خُتمت الرسالات برسالة نبينا الكريم ( ص ) ؟ لماذا أوصد باب النبوة ؟ لماذا استحقت الأمم السابقة إرسال الرسل وحرمت أمتنا الإسلامية منها ؟
الجواب باختصار : لحاجةالأمم السالفة إلى الأنبياء واستغناء الأمة الإسلامية عنها والسبب هو بلوغ الأمة الإسلامية مرحلة مايسمى بالرشد والنضج الفكري وهذا مؤشر على انتفاء دواعي إرسال الأنبياء والرسل ، وهناك أدلة حسية تثبت أن الأمة الإسلامية بلغت مرحلة الرشد الفكري :
١/ في الأمم السابقة كلما زادت المسافة بين موت النبي وبين أمته يزداد زيغها وانحرافها وظلالها والعبث بتراث نبيها ، أما الأمة الإسلامية فبعد وفاة النبي بمئات السنين لازالت متمسكة بدين نبيها محافظة على تراثه تالية لكتاب الله تتنافس على حفظ آياته ، متعهدة إياه بتفسيره وتأليف البحوث والدراسات والمصنفات حوله .
٢/ بموت الأنبياء السابقين ينحسر المؤمنون برسالتهم ، بينما نجد الآن توسع رقعة الإسلام وتمدده في كل أصقاع العالم .
٣/ جميع الأنبياء السابقين رغم وجودهم بين أقوامهم متسلحين بالمعاجز لاثبات صدق دعواهم مع كل ذلك فقد خرجوا من أقوامهم بحصيلة محدودة من الأنصار ولم يهتد بهم إلا قليل
بينما نجد أن الفرد المسلم يستطيع الآن وبنفسه – وهو ليس بنبي ولا يحمل معجزة – أن يمارس دور التبليغ وأن يقنع كافراً باعتناق الإسلام ، ولازال الناس يدخلون في دين الله أفواجاً ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر )
فهذه الجوانب تدل على أن الفكر البشري مر بمراحل ونتيجة لتراكم التجارب وصل إلى مرحلة متقدمة من النضج والرشد يؤهله أن يهتدي لطريق الصواب ويميز بين الحق والباطل إذا تجرد من أهوائه وشهواته.
متباركين بمولد سيد البشرية وخاتم أنبيائها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.