السلام والعطاء من المقدّمات التأهيلية لتطوّر مشاعر الرّوح والجسد بالنّسبة للمعطى إليه فحين التأمّل في خطابنا الإسلامي وهو يستقبل شهر رمضان المبارك بهذا القول: ( السلام عليك من شهر هو من كل أمر سلام) يأتي التفكّر، ثمّ التأهّب ثمّ العمل من ناحية النّفس ومن ناحية الآخر؛ فبهذا تسكن الجوانح، والجوارح عبادة لله الواحد الأحد، الفرد الصمد.
ولاتزال الذّات الفاعلة مع الفعل الحَسَن مدى الحياة؛ فلأن الله عزّ وجل هو الفاعل الأوّل والمبدأ الأوّل لكلّ ماهو خير وصلاح؛ فستتبع هذه البداية المقدّسة بداية عباد مُكرَّمون؛ استقبلوا الحَسَن، وأرسلوه إلى مختلف الساحات الإنسانية.
فبين رحمة، ومودّة ورضاء وإخاء، جاءت الرّحمة؛ لتكون المُنطلَق الأوّل لرسالة نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم، فهي رمز أصيل لكلّ عطاء إنساني كامل وغاية تنتهي بنا إلى التفاعل، والانسجام والتوافق حيث الاستمرار والتبادل في الاتصالات البشريّة على أساس معاني الموضوعات؛ التي يتضمّنها عالمهم؛ وذلك حسب رؤية النّظريّة التفاعليّة الرمزيّة كأحد النظريّات الاجتماعية.
فمن فرضيّاتها أنّ الرّحمة فعل اجتماعي مُعقّد النّواحي؛ يأخذنا إلى تكوين التنظيمات المستقيمة، وتفعيل العلاقة مابين الصفاء النّفسي الموافق لفطرتنا السليمة، ومدى استثمار المجتمع له بتعدّد تفريعاته؛ بدءاً بالأسرة وانتهاءً بالدّولة، فتبدأ الرحمة بتأثيرها السامي على مُطلق الإنسان؛ ذكراً كان أو أنثى، صغيراً كان أوكبيراً، حرّاً كان أوعبداً؛ لذا فإنّ من موجبات تحقّق الرّحمة؛ التي يريدها الله عزّ وجل لعباده في الشهر التاسع للهجرة المعروف برمضان المبارك؛ أن يدعو كلّ منهم للآخر، وإن كان ظالماً، مُعتدياً؛ طلباً لهدايته في ليلة القدر {وماأدراك ماليلة القدر* ليلة القدر خير من ألف شهر* تنزّل الملائكة والرّوح فيها بإذن ربّهم من كلّ أمر* سلام هي حتّى مطلع الفجر}.
فيجدر بهذا السلوك العزيز أن يُكافأ في يوم الفطر المبارك، فهو عيد للصائم الحقّ؛ الذي سلم منه كلّ موجود لاسيّما أكرمهم عند الله.
اللهمّ اجعلنا ممّن يتمظهر باسمك السلام في كلّ لحظة وآن ياأجود المُعطين.
بقلم : فاطمة البودريس
بكالوريوس علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية
جامعة الملك فيصل بالأحساء