عندما نتحدث عن انعكاس وسائل التواصل الاجتماعي على الفرد والمجتمع المحافظ لا بد أن نبدأ من مقدمة بسيطة توضح الانتقال التقني في مجتمعنا المحافظ .
اعتقد الأمر ينطبق على أي أداة تقنية استحدثت بالحياة مثل التلفزيون مثلا ، لو أن الأجداد يعودون ونسألهم عن ردة افعالهم عندما ادخلوا التلفزيون بالبيوت لقلنا الأمر مكرر في الخوف من كل شيء جديد بل عشنا مع آباء واجداد يحرمون النظر إليه والامر اسوأ بالنسبة للسينما .
انتقال الحياة الاقتصادية من عجلة الإنتاج إلى الذكاء الصناعي والتقنية الرقمية قفزت بنوعية ومستوى التفكير بالمجتمع العربي والاسلامي وخصوصا المجتمعات المحافظة مثل دول الخليج إلى عالم آخر غير الذي اعتادوه .ابناء الدول العربية و الخليجية خصوصا بقيت محتفظة بالعلاقات الاسرية والاجتماعية بشكل افضل من اي مجتمعات أخرى ، لكن بعض الدول الاسلامية الأكثر انفتاحا أنزوى سكانها في زوايا الأنا والفردانية و عاشوا في كانتونات ضيقة ومعزولة .
بأي مجتمع محافظ وتقليدي يعيش في دوائر الاحكام الشرعية الوجوب والحرام والكراه والمستحب والاباحة ، طبيعي أن تكون ردة افعاله حسب هذه الأحكام التي تحكم حياته بمعنى ان المسلم المحافظ مقيد بشريعة تحلل وتحرم ويكون المكلفين حذرين من قبول أي جديد ، هذا حال أي مجتمع يعيش في نطاق الدين بكل شئونه وينظر لأي امر جديد من منطلقات دينية وعرفية .
بعكس المجتمعات المنفتحة والتي تعيش في ظل أنظمة منفتحة ويؤمنون بالليبرالية، جعلت من الفرد حر نفسه يحكمه قانون وضعي بعيد عن القيود الدينية .
لكن حتى لا نعيش في جو الصدمة ينبغي أن نهيأ انفسنا لمراحل التطور والانتقال إلى عهد الثورة المعلوماتية والاجهزة الذكية التي نلجأ لها في لحظات ضعفنا وهو المرض فعندما نصاب بمرض لا نسأل عن كيفية العلاج حتى لو استخدمت مواد أو أدوات للكشف تعرض المريض للعري او ….ولا نسأل عن الأجهزة المستخدمة وما تأثيرها .
التطور التقني ينعكس على الفرد ويدفعه للتغيير خصوصا اذا كان يعيش في جو الرتابة و يعيش في ظروف تضيق عليه الخناق .
أفراد الأسرة عاشوا قرونا من رقابة العقل الجمعي بل وصلت إلى درجة الخوف من العقاب المعنوي المجتمعي عندما يبدي رأيا مخالفا للمعتاد ، عاشوا كبتا اجتماعيا مميتا في كثير من شئون الحياة حتى باتوا في العقل الباطن ينتظروا التخلص من هذا الكبت الأسري الذي مارسه البعض بأسلوب خاطئ والتخلص من حدة الرقابة الاجتماعية الحاكمة فيها العقلية الذكورية مثل الأب وجيه القبيلة والمعلم و….،
بعد هذا الحصار النفسي والقيود الاجتماعية والظروف الاقتصادية والاحباطات النفسية التي يعيشها الفرد في حياته وفي علاقته مع اصدقائه واسرته ومجتمعه وبيئة عمله أن يلجأ إلى الخلوة الذاتية ويحاكي نفسه أو يناغي أداة يشعر انه هو المتحكم فيها وليس متحكما فيه كما عاش .
يعني أراد أن يمارس سلطته الذاتية مع شيء متبلد الحس والشعور بعيد عن الكذب والنفاق والمظاهر الاجتماعية المزيفة ، ووجد صالته في وسائل التواصل الاجتماعي بل بعض المراهقين والشباب وجد التحدي في العاب وتطبيقات الاجهزة الرقمية والشعور بنشوة الانتصار عندما يفوز في لعبة رقمية .
التواصل الاجتماعي خلق له بيئة افتراضية يتحكم فيها ويمارس سلطته بيده و عقله بعيدا عن الحصار الاجتماعي الذي ألفه .
كذلك فتح له مجالات المعرفة والاطلاع المتنوع والمتجدد بكل لحظة اي جعله يتنقل من موقع إلى آخر وهو في غرفة نومه بحرية .
للتواصل سلبيات كما لها إيجابيات عديدة لكن لا ينبغي أن نسأل عن النتائج قبل معرفة الاسباب التي أدت إلى ارتماء الفرد في احضان التقنية واللجوء اليها في كسب الاصدقاء حسب ما يرغب الشخص وممكن التخلص منهم في أي وقت يريد ، العيش في عالم افتراضي يجعله يتأمل الحياة بألوان الشعوب و الأمم بالصوت والصورة .
لا ينبغي أن ناخذ وسائل التواصل الاجتماعي كلها على انها غير شر فهي فتحت مجالا اوسع في الحوارات والنقاشات ومعرفة الآراء والافكار واصبحت المعلومة في متناول اليد ولحظية والبحث عن المعرفة سهل .
حتى في الدورات عن بعد اكتسب الكثير مهارات من خلال التعليم الذاتي الالكتروني وتعلم لغات ومهارات عمل ومهن واكتسب معارف عديدة وجديدة يعني ما كان يدفعه بفلوس يحصل عليه مجانا في شئون عديدة ، صحيح الاحساس الجسدي والشعوري افتقد بين الاشخاص لكن من غير المقبول أن نلغي كل الفوائد من التواصل الاجتماعي .
لا شيء في هذه الحياة كامل الايجابية ما دام من صنع إنسان غير معصوم اجتمعت فيه صفتي الخير والشر .
سؤال أخير – كم نسبة التودد والترابط الاسري والاجتماعي في المجتمعات المسلمة قبل عهد التواصل الاجتماعي والتقني ؟.