
هنالك في إحدى زوايا العالم حديقة غنّاء وفيرة الأشجار والأزهار
وغنيّة بالورود المتنوعة
تسمع فيها زقزقة العصافير وشدو البلابل
، وتشاهد الفراشات الجميلة تحلق مداعبةً خيوط الشمس .
ما إن يقترب منها أحد المارة إلا وتشده روائحها العبقة ونسائمها العليلة ، ودون أن يشعر تأخذه رجلاه طَوعاً إلى الحديقة لكنه يُفاجأ بسور يحيطها ،وما إن يبحث إلا وبجد – بسرعة – أبواباً واسعة تتخلل السور ليدخل منها .
ثمة فتاة صغيرة كانت تشاهد المنظر وهي منزوية خلف تلة صغيرة بالجوار ، كل ما هَمَّت دخول الحديقة ترددت، تقترب من السور وتنظر من فوقه للداخل وماتلبث أن تتراجع لمكانها !
ذات يوم سألها أحد المارّة -وهو يراقبها عن بُعد- : مابالك ياصغيرتي !؟
هل ترغبين في الدخول للحديقة والتمتع بما فيها ؟
قالت : نعم .
قال : لماذا أنت مترددة في الدخول إذن ؟
قالت : يمنعني وجود ذلك السور العالي ؟
قال : السور لحماية محتويات الحديقة من العبث لتظل نضِرةً ونتمتع بها طويلاً ، وليس السور لمنع الناس اللطفاء مثلك من الدخول ؟
قالت : وكيف ندخل إذن؟
قال : ألم تشاهدي الأبواب المتعددة الواسعة ؟
قالت : رأيتها ، ورأيت الناس تدخل من خلالها وأرى على وجوههم ترتسم السعادة والرضا .
قال : طيب .. ولماذا لا تفعلي مثلهم فالحديقة متاحة للجميع ،واللوحات الموجودة على السور ترشد لذلك ، وتجربة الناس تثبت ذلك !!
فلم تترددين في الدخول ؟
قالت وهي تتنفس بعمق يدل على انتزاع التردد من داخلها : لقد شجعتني ياعم ، وأشعلت فيَّ الحماس لدخول الحديقة أكثر من أي وقت مضى .. يا الله ، أشعر أن الله بعثك لي ياعم لتزيل الغشاوة عن عيني .
قفزت فرِحةً ، انتشت ، وجرت مسرعة نحو باب الحديقة .
لحق بها لكي لاتفوته لحظة دخولها .
ما إن وصل حتى رآها تتراجع للخلف – من جديد – وعيناها متسمرتان نحو باب الحديقة !!
لَفَّ ذراعه حول عنقها ..
وسألها بلطف : صغيرتي لماذا تراجعتِ ؟
ردَّت وهي تُتأتئ : خِفتُ أن لا أجد السعادة التي يعيشها كل الناس داخل تلك الحديقة !!
ففرَّت مسرعة نحو تلَّتِها لتراقب المشهد من جديد غارقةً أكثر وأكثر في “حسرتها الإرادية ” على السعادة الموجودة المفقودة !!!
انتهت
صباح الإثنين
١٤-٩-١٤٣٧هـ