المبعث الشريف وما يمثله من بداية تاريخية ومفصل تاريخي في حياة الأمة لما تمثله من ذكرى أخر اتصال الخالق بمخلوقه بواسطة الوحي الإلهية المتمثل في إتمام الرسالة وبلوغ الأمة رشدها ونضجها التى تؤهلها إلى متابعة المسيرة بدون واسطة مباشرة ،والرسول الاكرم صلى الله عليه واله وسلم الذي بعثه الله تعالى هاديا ومبشرا ونذيرا وحمل على عاتقه هذه الرسالة التى قال والله لو وضعوا القمر في يمين والشمس في شمالي على ان تركه هذا ما تركته وقد تحمل في حياته الكثير من الالام والاذى وقد لاقى رسول الله (ص) البلاء الكثير بسبب هذه الرسالة حتى قال: ما أوذي نبيٌ مثـلما أوذيت . ولكنه مع ذلك استمر في نشر الرسالة والدعوة إلى الإسلام حتى بَلغـَـتْ كل الناس فدخلوا في دين الله أفواجاً .
ولكن رحمة هذا النبي صلى الله عليه واله وسلم دائما الدعاء لقومه ‘ اللهم اهدي قومي فانهم لايعلمون ‘ ومتد تلك الايادي الرحيمة الايادي الانسانية التى شع نورها واضاءة الدنيا في اصقاع الارض ليكون رحمة للامة ونبراسا يضيء طريقها على مدارة مسيرة الحياة . ثم أن الله سبحانه أمر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يصدع بما جاءه منه، وأن ينادي الناس بأمره ويدعو إليه، فأنزل سبحانه: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)إبراهيم/94، ثم قال تعالى (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ* وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ) وهكذا جاء الرسول صلى الله عليه واله بهذا الدين الحنيف والاسلام المحمد الذي شملت شرائعه جميع شؤون الحياة بما ينظم حياة الانسان على مبادىء واسس الاسلام وثقافته ونظمه وقوانين ليلفي كل النظم الجاهلية والنضم الوضعية المختلقة التى لاتجنى منه الا الويلات للانسانية
ولعل ما يعني منه البشرية في هذا الوقت سببا وحيد وهو بعدهم عن الدين وما يمثله من نظام الالهية رباني ونزواهم نحو الشرائع الوضعية ومنطق الجاهية فلما نادى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإسلام وصدع بما أمره الله تعالى به، استجاب له الأحداث من الرجال، والضعفة من الناس، حتى كثر من آمن به، فعظم ذلك على أصحاب الأغراض والأطماع من قومه، ورأوا أن مصالحهم الشخصية المعتمدة على عبادة الأصنام مهددة بالخطر، فنكروه وأجمعوا على خلافه وعداوته وأكبر على منابذته وإيذائه، فحدب أبو طالب عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله ومنعه وقام دونه، لأنه بالإضافة إلى أيمانه بالله والرسول صلى الله عليه وآله كان شريفاً في قومه، معظماً في قريش، مطاعاً في أهل مكة، فلم يتجاسروا معه مكاشفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بشيء من الأذى. لايزال هذا المنطق في حياة الامة
ولكن بختلاف الطرق والوسائل والمنهج ، فتجده الامة اليوم بشكل يتعذر عليها مواجهة اعداء الامة واعداء الاسلام الذين يتربصون بالاسلام في كل وقت ومكان من اجل اضعافه وتشويه فالصبحت الامة ذائبة في الماديات متجه الى مصالحها الشخصية المعتمدة على القترصه والاستعلاء فصبح منطق قوتها المادة ، عندما شع نور نبينا محمدواله الطاهرين وبزق ضيائه في العالمين واستنارة المسلمين وتباركة بنور الاسلام الذي كان له الدور النابض في الحياة الانسانية فقد كان النظام الاسلامي نظاما اعجازيا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى من خلال القوانين والنظم الاسلامية منحقوق وواجبات ادهشة الباحثين فقد وجدوا الكثير منهم ضالتهم في الاسلام لما يتمت به من قيمة ومبادىء تتناسب مع الحياة البشرية ،
في هذه الذكرى النبوية الشريفة التى تتجل فيها كل معاني السلام والرفعة والمحبة والسلوك الى الله تعالى تتجلى فيها القيم الحقيقية التى بها يكمل الانسان انسانيته حيث كان الرسول صلى الله عليه واله وسلم المعلم الاول والمدرسة الاولى لهذه الامة والتى لازاما عليها ان تضيع كل ما جاء به الرسول الاكرم صلى الله عليه واله وسلم ، فقد رسم الرسول صلى الله عليه واله وسلم للامة النهج السليم وصراط المستقيم وجسدة خلها حياة الامة من خلال المعجزة القران الكريم والمبينه له اهل البيت عليهم السلام فهم الخط الذي شدد صلى الله عليه واله على التمسك بهم فهم الصراط المتقيم وهم ‘اني تاركا فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي ‘ولعل ما نعانيه ايضا اليوم هو البعد عن اهل البيت عليهم السلام والبعد عن القران
ومن خلال ذلك الغزوا الفكرية من اعداء الاسلام الذين استطاعوا ان يتغلغلوا الى عقر ديار المسلمين وينسوهم تاريخهم المشرف وقادتهم العظام من خلال الافكار وضع السم في الدسم ، على الامة اليوم ان تعلم ان حياته وقوتها وعزتها لن تركن الا على التمسك بماء جاء به صلى الله عليه واله وما اوصى به . يقول اية الله العلامة المرجع السيد محمد فضل الله ‘المبعث كما نتمثّلها في أعماقنا، وكما يعيها الفكر الناقد الذي يلائم بين البداية والنهاية، فلا يتصوّر البداية إلا بالعظمة التي تسير بها النهاية، لا سيما إذا كانت البداية بداية نبوة ورسالة، تستهدف إعداد إنسان ما لحمل فكرة السماء على الأرض، ولتبديل القيم الجاهلية بقيم إسلامية جديدة، لتهز الضمير الإنساني في عملية تجديد وإبداع. لا بدّ لهذه البداية من أن تكون رائعةً في جوّها وتفاصيلها،
ولا بدّ لهذا الإنسان من أن يكون عظيماً في وعيه وتفكيره وقوَّته، لأن قضية النبوَّة تختلف عن أيّة قضية أخرى من حيث طبيعة المرسل والرسول والرسالة. ان قصية المبعث الشريف ليست قضية ذكرى تمر وليست تراتيل نتداولها ولكن هو الحدث التى هز كيان الانسانية وحرك من خلالها وجدانها لتفيق على حياة اكثر اشراقة واكثر استنارة لتشرق على البشرية بعد ان غفا عليه حقبا من الزمان تتخبط كالعمى بين سراديب الظلام وافكار هائمة تسوده التخبط والعشوائية غير باصرة طريقها فقد كان المبعث احد المفاصل المهمة في التاريخ البشري ولعل الكثير في ارجاء المعمورة من يحتفي بهذا اليوم وبهذه المناسبة رغم هذا نجد الكثيرين ايضا من يتجاهل هذا اليوم ويمر عليهم مرور الكرام الغير عابئين به وما يمثله من قوة ايمانية صلده ومحطة العروج والسير الى الله تعالى الذي بيده كل شىء .يوم المبعث هو يوم العروج الى الله سبحانه وتعالى .