
أمور الحياة متشعبة بأمانيها ومعاناتها وعطاءاتها وأخذها، أمور تجتمع في الذات الواحدة فتزداد وتنقص بأفراحها وأحزانها، ومن سار فيها ولكي يعيش باطمئنان لابد له من تضحيات التي قد يتبعها مكاسب أو تستمر من أجل الآخرين، وقد تسمى حالات منها بالتضحية السلبية، فماذا يعني ذلك، ومن هم أولئك الذين يتصفون بها، وماذا يترتب عليهم حيالها.
البعض ممن تكون هذه التضحية السلبية جزءا أصيلا من شخصياتهم يرفضون هذا المسمى، معتقدين بأن ما يفعلونه صحيحا، مستمرين على تحمل هذا الحال سنوات عديدة، وكثيرا ما يتعرضون لمواقف حادة يلومون معها ذواتهم، ويبالغوا في جلدها، مع ندم شديد على كل ما بدر منهم من مواقف متفانية، وقد تبدر منهم تصرفات وأفعال مغايرة لما كانوا معهودا منهم.
هؤلاء وصفتهم الكاتبة الدكتورة هاريت بي برايكر بأنهم مصابون بمرض يسمى داء إرضاء الآخرين، وهو عنوان كتابها الذي أوضحت فيه بأن سبب ذلك المرض إنما يعود الى القناعات السلبية المترسخه في العقل الباطن، مبينة أن أغلب الحالات تظهر في أم أو زوجة شعارها في الحياة أن تخدم الآخر سواء كان زوجا أو ابنا أو حتى الوالدين أو الأهل أو زملاء العمل على حساب رضا نفسها، واضعين في حسبانهم أن هذه التضحيات إنما هي نابعة من مفهومهم الديني، وتحقيق مبدأ الإيثار، ومقتفين بذلك أثر من سبقهم بذويهم، وهذا شيء جميل ومطلوب عند الأخذ به بطريقة سليمة لا إفراط فيها ولا تفريط،
فمن حاد عن الوسطية فيها فستتجمع الشحنات السالبة لديه من حيث لا يشعر ليصبح بالونا جاهزا للانفجار حين يأتي ذلك الموقف البسيط فيكون كالقشة التي قصمت ظهر البعير، فما يكون من حوله سوى الاستغراب من تصرف هذه الشخصية العاقلة الرزينة الحليمة بانتهاج هذا السلوك الغير متوقع، وما علموا أنما هي مشاعر تراكمت على مدى أشهر أو أعوام.
* مستشارة تربوية واسرية
4 pings