” الخيال أكثر أهمية من المعرفة فهو يحيط بالعالم ، لأن المعرفة والمعلومات يمكن لأي أحد أن يصل إليها لكن الخيال يوظف هذه المعرفة للوصول إلى الحقيقة.” ألبرت أينشتاين فلا أعلم مدى دقة العبارة المنسوبة لأينشتاين و لكن بالتأكيد بأن الخيال هو المحرك الدافع لرؤية المستقبل ومحاولة اكتشافه فالأشخاص المبدعون الذين سجلوا في صفحات التاريخ بصماتهم كانت السمة البارزة فيهم أنهم يحملون خيالاً مميزاً عن غيرهم من الناس أمتزج هذا الخيال مع القدرة على تطويعه كي يكون واقعاً ملموساً .
ومن المبدعين الذين كانوا يمتلكون ذلك الخيال ابن الاحساء المبدع الحاج أحمد بن محمد بوخضر الملقب بالبحري المولود بمدينة الهفوف في عام 1368هـ الشغوف بالابتكار والاختراع منذ نعومة اظفاره أذهل كل من عرفه وشاهد ابتكاراته حتى شهدوا له بأنه رجل سابق لعصره .
في العاشرة من عمره قام بصنع أول دراجة وفي سن الرابعة عشر صمم باباً خارجياً لبيتهم يمكن فتحه واغلاقه أوتوماتيكياً باستعمال البطاريات ، في زمن لم تصل الخدمات الكهربائية لتلك البيوت.[1]
هذا النبوغ المبكر كان منبأً بعالمٍ فذ سبق عصره بخياله وقدرته على توظيف ذلك الخيال باقتدار ورغم انه فقد احدى عينية في سن مبكر , إلا أن ذلك لم يمنعه من تعلم الكهرباء من دون معلم , ليصبح فني كهرباء وكانت مهنته التي امتهنها واستطاع أن يوظف لتلك المعرفة في ابتكاراته ففي الاعوام (1401- 1405 ) هـ ابتكر ريموتاً الكترونيا يشغل به سيارته و كاميرا تصوير كرتونية وساعة تؤذن وتقرأ القرآن الكريم ، وكان يعتمد عليها للجلوس لأداء صلاة الفجر .
هذه الابتكارات لم تقف عند هذا الحد بل أنها اخذت في التطور بشكل ملحوظ فصمم جهازاً يكتشف مواقع الخلل لأسلاك شركة الكهرباء المدفونة تحت الأرض من دون الحاجة للحفر , واستطاع أن يخترع جهاز راديو يشتغل بوضع كمية من الماء فيه , كما انه صنع اذاعة محلية .
وبعد دخول الاتصالات صمم جهازا يجعل سيارته لا تعمل إلا بتفعيل رقم من جواله , وأيضا جهاز لتشغيل غطاسة مزرعته يعمل عن بعد من خلال الاتصال بالجوال وهو في بيته .
وقبل دخول ( العوامات) لخزانات البيوت , صمم أول عوامة حساسة لمنسوب المياه بالخزان وتتميز بأنها تعمل كل ٦ ساعات لثوان حتى وإن كان الخزان ممتلئ كي لا يصاب الدينمو بالصدأ.
وتميز أيضا في صنع برادات المياه فصمم براداً يعمل بشكل آلي بحيث يبدو البراد وكأنه صندوق فيه مفاتيح تضغط على احدهم يعبأ الإناء ومن ثم يفتح باب يخرج لك منه الإناء وبعدما تشرب الماء تضعه يدخل ويغلق الباب , كما اضاف لها حساسات مؤقتة للتحكم في كمية المياه إضافة لصوت يصدر من البراد يردد ذكر الله على الأسماع في كل مره يريد شخص شرب الماء .
صمم مدفئة كهربائية آمنة ضد الحريق , وصنع حساسات للأفران تفصل الغاز في حال عدم الاستخدام .
استطاع ان يحول سيارته من العمل بالغاز بدلاً من البنزين بعد عرض هذه الابتكارات قد يتصور القارئ الكريم اننا نبالغ بذلك الوصف وتلك الاختراعات , ولكن في الحقيقة هذا واقع لا يعرفه الكثير منا هذه العقلية الفذه كانت مغمورة ولم تأخذ حقها طيلة الاعوام السابقة بل ان هذه الابتكارات لم تسجل كبراءة اختراع .
هذه الامور كانت الدافع المحرك لمجموعة تواصل التي تهدف للتواصل مع كل من ترك بصمة مميزة في المجتمع وتسلط الضوء على تلك العقلية السابقة لعصرها .
وبالفعل كانت الزيارة للحاج أحمد بوخضر في بيته مساء السبت 15رجب 1437ه , وبدى لنا شخصا متواضعاً جداً لم يتفاخر بتلك الانجازات التي لا تقدر بثمن .
تسائلنا عن السر وراء هذه الابتكارات فأجاب بكلمات بسيطه انه حب وشغف التجريب , فكانت اجابته ملهمه لنا واعادت قراءة تصوراتنا عن الابداع والتميز ..عبرنا باعتزازنا بهذا النموذج المميز للمبدع الأحسائي الذي لم تعقه الظروف الشخصية عن التفرد والإنجاز وأبدينا إعجابنا بحالة التواضع ونكران الذات التي تميز بها .
قدمنا درعا تذكاريا قد لايليق بتلك الشخصية المميزة , لكنه عبر عن سعادته وتقديره لشباب تواصل على هذه الروح المبادرة التي تجسد روح الوفاء التي عرف بها المجتمع الأحسائي.
هذا النموذج جعلني اتسأل
عن معنى الإبداع التميز والإتقان الذي عرفته ..
عن التواضع الذي حمله هذا العالم ..
عن سر غياب هذه النماذج عنا ..
عن دورنا كمجتمع في ابراز تلك الطاقات وتحويلها إلى نماذج عالمية ..
اسأله تتلوها اسأله أتمنى أن أجد لها إجابة ..
[1] مقاله للأستاذ سلمان الحجي عن الحاج أحمد بوخضر (البحري)
16 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓