الرحلة لهيوستن كانت رحلة علاج وأسميها رحلة عطاء للناس الذين ألتقيهم صدفة، كم أشعر بالسعادة حينما أقابل أشخاصا وأعطيهم شيئا معنويا جميلا، هذا العطاء يشعرني بأني قد اكتفيت ولا احتاج من أحد أن يعطيني. رحلتي لهيوستن قمت بها لوحدي، وهي متعبة نوعا ما، وهناك أشخاص مصابون ليسوا من ديانتي ولا من بلدي ولا نفس اللغة لكنهم محتاجون إلى تربيت على الكتف، وكلمتين طيبتين، ودفعة معنوية، وكلام إيجابي. لما كنت قبل يومين في أريزونا قابلت فتاة وأنا بالسوق أتمشى، كانت تعمل في محل عطور، وفجأة تكلمت معها وعرفت أنها مصابة في بدايتها، اسمها رولا من قبرص، قلت لها أنتي قوية، وسوف تكوني بحالة طيبة، وها أنا ذا أمامك، وكل شي في بدايته صعب، ثم تصبح حكاية تحكينها لغيرك، وتصير في عداد الذكريات، ألاحظ في عيونك الأمل، وهذا شي جميل، وأعرف إنك ستتخطين هذه المرحلة، سمعت مني هذا الكلام، وانفجرت بعدها بالبكاء، ثم احتضنتني
وقالت لي كلمتين: أنتي امرأة قوية وكلامك جميل جدا، لا تعرفيني ولا أعرفك لكن هذا الكلام أثر في، لا تتخيلون كم كنت فرحة لسماعي هذا لدرجة أني اشتريت منها ولم تكن عندي رغبة بالشراء، طلبت منها أن تعطيني رقم هاتفها كي نتواصل، هي ظنت أني أقول هذا الكلام هكذا مجاملة وأنني لن أكلمها أو أتواصل معها، لكن بعد عودتي لهيوستن وأخذ جرعة الحديد المؤلمة والمتعبة أرسلت لها رسالة، وردت علي بكلام أفرحني وأسعدني، وأحسست أني قدمت نوعا من أنواع العطاء، وهو أن تترك أثرا في أناس لا تعرفهم، وقد لا تلتقي بهم مرة أخرى. هذا الأمر أنساني تعبي وألمي وجعلني أكون سحر اللي تحب الحياة وتتفاءل، التي تحس أن الله سيجعلها أقوى من قبل بكثير، جعلني أقبل على العلاج بكل ما فيه، لست خائفة من إجراء عملية، لست خائفة مما قد يحدث بعد ذلك، لست خائفة من الورم كونه خبيثا أو حميدا، لم أعد أفكر في الغد ولا أقلق منه، غدا بيد الله، تعاملي مع الناس وبذل الكلمة الجميلة وترك أثر جميل هذا هو هدفي. أرسلت لها رسالة، ووصول رد منها برسالة غمرني بالسعادة، وجعل يومي جميلا برغم بساطة كلماتها، رسالة من إنسانة لم أجلس معها أكثر من عشرين دقيقة، لاحظت فيها حب الحياة والروح الإيجابية والتفاؤل، لكنها غير قادرة على التعبير، أو لم تجد الإنسان الذي يفهمها، ويمكن أنا الإنسانة التي فهمتها لأني أعاني من نفس الألم، وأعيش ذات المرض، ضمتها لي وبكاؤها أثر في كثيرا برغم اختلاف البلد واللغة والدين.
كم يشعر المصابون بهذا المرض ببعضهم البعض، بغض النظر من كانوا وكيف كانوا وأينما كانوا، لو كان المصاب في الصين وأنت هنا، التواصل جميل مع هذه النوعية، وأحسست مع بساطة كلامها أنه نابع من قلب وبصدق عفوي، لدرجة أني أثناء قراءتي لرسالتها تخيلتها أمامي، بابتسامتها ودموعها ونظراتها الدافئة والمليئة بالأمل، هذا الشيء أعطاني السعادة كي أعطي وأعطي، عطاء من أرقى أنواع العطاء، أن تترك بصمة وتمشي، بل وتكون على تواصل مع هؤلاء الأشخاص، وأخذت بريدها الالكتروني كي أكون على تواصل معها بعد عودتي للسعودية، وسأطلب منها عنوانها في أريزونا كي أرسل لها أي شي يذكرها في ويبقيها على التشبث بالأمل.
هي في بداية علاجها واستئصال ثدييها كليهما، يعني في مرحلة متقدمة، وهي تعلم ذلك، وتحتاج من يعطيها جرعات من الكلمات المشجعة والحنونة، تحتاج من يكون معها ويقف بجانبها، هذا الأمر جعلني أشعر بالسعادة، حتى وأنا أذهب للمستشفى حسب مواعيدي وأجلس في غرفة الانتظار أقابل نساء أتين للعلاج، أمريكيات كبيرات في السن، ويسألونني عند سبب حضوري فأجيبهن، فيقولون أنتي لا زلتي صغيرة، فأرد أن هذه رسالة حب من الله، فينظرون إلي باستغراب قائلين كيف هي رسالة حب، فأجيب أنه أمر مكتوب، ولابد أن نتعامل مع هذا الأمر برضا وقناعة، ونعيش يومنا والحياة حلوة، ويردون أنتي قوية وامرأة مدهشة، وأضيف أني متفائلة لثقتي بربي الذي أحبه وأعلم أنه لا يريد لي إلا الخير.
ناشطة اجتماعية