يُشكلُ الحصول على العلم والمعرفة اليوم أحد متطلبات الحياة وضرورياتها، كونه يرتبط ارتباطاً مباشراً بمتغيراتها المختلفة، وجسراً للعبور للغايات العلمية، والعملية، والمادية كذلك، التي تأتي في نسق متوازٍ، مستجيبة لما يعيشه العالم من تطورات مختلفة، واعترافاً صريحاً بأنّ الشهادة أصبحت سلاحاً قوياً يمكن الحصول من خلاله على مطامع عديدة، بعيداً عن تحقيق هدف التعلم الحقيقي؛ مما جعل الأمر يسير بالبعض إلى طرق ملتوية بحثاً عن المارد الخفي الذي يساعدهم في الحصول على شهادات عليا لا تتطلب منهم تعباً، ولا تكبدهم عناءً أو مشقة، مستصغرين من قيمة العلماء، ومكانة العلم الذي بات كسلعة يمكن الحصول عليها مقابل عددٍ من الريالات، متجهين لصناعة المجد الزائف عبر شهاداتٍ لا حقيقة لها.
إنّ الحديث عن قضية “الشهادات الوهمية” كالجرح المفتوح يبقى نازفاً مهما حاولنا تضميده، لا سيما ونحن نعيش في ظل مجتمع انتقلت فيه حمى السرعة والاختصار والرغبة في تملك كل شيء تطال العقول والنفوس، فلا تبقي لها قدرا ولا أهمية، فما أسهل أن تستدرج الإعلانات عبر الشبكات أمنياتنا، وتخمد جذوة الطموح المشتعلة فينا، حينما تظهرعلى شاشة محرك البحث بوميض جذاب “هل تبحث عن شهادة جامعية من غير دراسة ؟ فيسعد بها البعض، ويتعامل معها كمصباح علاء الدين الذي ظهر ليحدث الفرق الجميل في حياته؛ ولكني حسبتها إهانة واستصغاراً للعقل والكفاءة ؛ الأمر الذي جعلني أفكر ملياً كيف يتعامل معها أصحاب العقول الصغيرة والنفوس الضعيفة ؟!
إنّ الإجابة عن السؤال السابق كانت حاضرة في عقلي، طبعتها السنوات كنهجٍ جميل استلهمته من كلمات القائد الوالد، حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه- عندما قال في حديثه الأبوي لطلاب جامعة السلطان قابوس في زيارته في العام 2000م، ناصحاً لهم مستنهضاً فيهم العزائم، مخاطباً العقول التي تحتل اليوم الكثير من مواقع المسؤولية في بناء هذا الوطن:” يجب ألا نقبل إلا من لديهم المؤهلات الحقيقية لينتسبوا إليها، ويكون باستطاعتهم أن يستفيدوا من انتسابهم إليها وليس مجرد الخروج من الجامعة بشهادة كورقة، لا تسمن ولا تغني من جوع..”.
إنّ الرسالة هنا واضحة وصريحة بأننا في هذا الوطن لا نبني من أجل الشهادات الورقية بل من أجل ارتقاء الفكر واستنارة العقول، التي تستشعر أهميّة العلم وقدره وتسعى في طلبه جاهدة لا مُتكلة، وعازمة لا مزايدة على ثمن الشهادات وشراء البحوث أو الاختبارات؛ لتتسلق عبر طرق وضيعة لنيل الشهادة، والتباهي بالدرجات العلمية الوهميّة التي لا يمكنها أن تغير في ذات الإنسان شيئاً، ولا تضيف لعطائه مثقال ذرةٍ، ليتقادم الزمن على تلك الأوراق المدفوع