رحّب بي أجمل ترحيب كأيّ فردٍ قطري يرحّب بضيفه، ثم قال لي: انتظر قليلاً وسوف تستمتع بنزهة بحرية، فدُهشت لاستجابته السريعة لطلبي، فبدّد دهشتي بقوله: أنا صاحب قارب صيد، وقد اتصلت بأحد الموظفين عندي ليحضر القارب ونذهب معاً في نزهة بحرية.
ركبنا القارب متوجهين في عمق البحر في رحلة استغرقت ساعة تقريباً، كانت مليئة بالحديث الشيق عن صيد السمك في البحر وأهم أدوات الدخول في هذا المشروع الممتع.
وسأختصر اللقاء في نقاط هامة قد تفيد من يرغب في ممارسة مثل هذه الحرفة.
تعريف بالتاجر: أحمد بن علي المناعي، من مواليد دولة قطر. يحمل شهادة البكالريوس في القانون. يمارس مهنة الصيد منذ الطفولة مع والده حفظه الله.
تعريف بحرفة صيد السمك:صيد السمك في الخليج حرفة الآباء والأجداد، حيث كانت الأسرة التي تعيش قرب ساحل البحر تعيش حياتها بالصيد واستخراج اللؤلؤ من البحر والتكسّب منه، وبظهور النفط بدأت هذه الحرفة في التقلص تدريجاً.
تخضع هذه الحرفة لقوانين خاصة بالملاحة داخل البحر، خصوصاً قوانين خفر السواحل التي تراقب حركة القوارب داخل البحر لتتأكد من التزامها القوانين الخاصة بها، وكذلك إدارة الموانئ البحرية التي تفرض اشتراطات معينة لحصول الصياد على رخصة صيد السمك.
صيد السمك تجارة لها أسرارها وخباياها، مثلها مثل بقية أنواع التجارة، ولكن تختلف عن غيرها، كما يقول صاحبنا أحمد بأنها تجعلك تعتمد أكثر في رزقك على من بيده الأرزاق، وهو الله سبحانه وتعالى، حيث إنك تأخذ بأسباب الرزق، ولكن بعد أن ترميَ الشبك في البحر قد يخرج مليئاً بالسمك وقد يخرج بدونه، رغم أنك أخذت بجميع الأسباب قال تعالى في كتابه العزيز (وما من دابة إلا على الله رزقها).
تعتمد مهنة صيد السمك على مجموعة من المهارات، فبالإضافة إلى أدوات الدخول بالبحر وهو القارب والشبك والعمّال والخروج في الصباح الباكر، تحتاج أيضاً إلى القدرة على فهم البحر بصورة أعمق، وأيضاً معرفة أنواع السمك ومواسم تكاثره والمناطق التي يتواجد فيها داخل البحر، والقدرة على تحديد نوع السمك الذي يرغب الصياد في اصطياده، فالبحر مليء بأنواع مختلفة من الأسماك، فينبغي للصيّاد تحديد الأنواع التي يصطادها لتدرّ عليه الربح الوفير عند بيعها، وهذه مهارة ليست عند كل فرد، فمن يعتمد على الصيد مصدراً لرزقه يختلف عمّن يمارس الصيد كهواية.
يرى التاجر أحمد أن الخبرة بالبحر وفهم أسراره هي التي تميّز بين الصيّادين في المهارة، فكلّما كنتَ صاحب خبرة جيّدة فهمت أكثر في كيفية اصطياد السمك بأقلّ التكاليف وأسرع الطرق.
يقول المنّاعي: هناك بعض التجار مارسوا حرفة الصيد، ولكنهم تركوها بعد تكبّدهم للخسائر، والسبب في ذلك قلة الخبرة وعدم فهم أبسط أدوات هذه الحرفة، فالإنسان كلما أكثر في مجال العمل الذي سيمارسه سهل عليه معرفة أسرار العمل وكيفية التعامل معه.
ويرى أحمد أنّ عدم الخبرة والدراية الكافية بمهنة الصيد هي السبب الرئيس لتعرّض البعض للخسارة، وهذه قاعدة من قواعد العمل التجاري التي تميّز بين صاحب الخبرة والمهارة وبين غيره من المبتدئين في التجارة، فالخبرة مهارة تزيد مع زيادة ممارسة العمل وفهم أسراره، فالنجاح يحتاج
لدراية وعلم وخبرة للمهنة التي ستمارسها، وفي حال عدم وجودها عندك فلا بُدّ أن تطلبها ممّن يوفّرها لك، وإلّا تريّث قبل البدء في المشروع.
ويرى التاجر أحمد أن التعاون بينه وبين أصدقائه في المهنة مهم لزيادة الإنتاجية والمعرفة، فكلّ صيّاد تختلف خبرته عن الآخر، لذلك لا يبخل هو وزملاء المهنة في تبادل هذه الأسرار، ولكن في حدود، انطلاقاً من المبدأ الإسلامي الذي حثّ عليه ديننا، حيث قال تعالى: (وتعاونوا على البرّ والتقوى)، فالتعاون يثمر في زيادة القوة للتاجر وتيسير الأمور وتبادل المعلومات المفيدة، وهو يُشبه ما يُطلق عليه في عصرنا بالنقابات، كنقابة المحامين أو الأطباء، ويوازيها ما يوجد في الغرف التجارية من اللجان كلجنة العقاريين أو المقاولين وغيرهما من اللجان التي يمكن للمبتدئ في العمل التجاري الاستفادة منها.
وفيما يرتبط بسؤالي له عن دور التقنية الحديثة في مهنة صيد السمك، أجاب الأخ أحمد بأنها جزء من أدوات العمل التي يحتاجها الصيّاد، كأجهزة الاتصال اللاسلكي، سواء مع خفر السواحل عند الطوارئ أو مع زملائه الصيّادين، وكذلك وجود شاشة حاسوبية في قارب الصيد يُستعان بها لتحديد إحداثيات الطرق البحرية ومواقع السفن التي تمخر عباب البحر، ومواقع الصيد المسموح ارتيادها والمحظورة منها، كلّها تتم بواسطة الإحداثيات الموجودة في الحاسوب، وأيضاً لسهولة التحكم في محرّكات قوارب الصيد.
فوسائل التقنية الحديثة ساهمت بقوة في تسهيل إدارة المشروع واختصار الزمن وتوفير المال، لذلك لا ينبغي أن نغفل عن شكر الله وحمده على هذه النعمة الكبيرة وتسخيرها لأغراض الخير.
ثم أسدى الأخ أحمد بعض النصائح التي يأتي على رأسها الصدق في التعامل وحسن النية للنجاح في أيّ مشروع تجاري أو ممارسة حرفة أو مهنة، “فقد ورد عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال: «مَنْ صدق لسانه زكا عمله، ومَنْ حسُنَتْ نيّته زاد الله عزّ وجلّ في رزقه، ومَنْ حَسُنَ برّه بأهله زاد الله في عمره» نقلاً عن الكافي ج8 ص219”.
أما عن الحالة الاجتماعية للصيّاد فيرى الأخ أحمد أنها سببٌ في ابتعاده عن المجتمع، وبذلك يميل إلى الراحة والهدوء بعيداً عن ضوضاء المدن وازدحامها وتلوّث أجوائها.
أما عن مخاطر مهنة صيد الأسماك، فقد ذكر حادثة تعرّض فيها قاربه لمشكلة فنية وهو في عمق البحر على بعد 70 كيلو متراً تقريباً عن الشاطئ، وعند نزول سائق القارب لإصلاح الخلل جاءت موجة بحر قوية ومفاجئة كادت تودي بحياة السائق لولا عناية الله ومن ثم حسن تصرّف أحمد في الموقف بحكمة. ولا يخلو أيّ عمل من مخاطر، وتختلف من نشاط من لآخر، ويفترض أن الأرباح تزيد بزيادة المخاطر.
وهكذا انتهى الحديث الشيّق مع الأخ أحمد على الرغم من قصر زمن الرحلة، إلا أنها كانت ممتعة ومفيدة وذات معلومات أطّلع عليها لأول مرة، ولذا دوّنتها لك – عزيزي القارئ – للاستفادة منها في مشروعك.
[/JUSTIFY]
بقلم: المستشار المالي/ علي أحمد المازني
مؤلف كتاب تجارب تجارية