[JUSTIFY]إن التصور الذهني لأي موقف مجهول أو غامض (جديدا كان أم متكررا) يمر على الشخص ؛ فهذا التصور يمثل جانبا مهما في تشكل مفهوم (المشكلة) للموقف .
فالموقف ذاته قد لا يمثل مشكلة بحد ذاته ؛ ولكن حمولة التصور الذهني تخلق إطارا وبنية يتشكل فيها الموقف ، فيحمل الموقف تبعا لذلك الطابع الشخصي لنمط الشخصية .
فالمواقف في بيئتها الخارجية ، هي بلا ملامح ولا ميزات ولا صفات ، إنما تحوم فينا وحولنا مجردة بيضاء وحينما تتلبسنا أو نتلبسها نضيف لها الجزء المحرك والحيوي ، فنؤثر وتتأثر بنا بما نحمله من تصور وبما نجيش به من مشاعر ونمتلكه من مهارات سلوكية .
وقد نمارس فعل إسقاط حينما نسمي الموقف (مشكلة) ، فيشحذ التفكير حسه الدفاعي ويصعد عملية البحث ليكشف عن كوة خلاص وسط ظلام دامس وقد يحالفه الحظ وقد لا يحالفه .
وبنظرة مغايرة ، ربما نكتشف أن الموقف الذي اعتبره (أ) مشكلة لا يعدو أن يكون غير مألوف بالنسبة له ؛ بينما (ب) يعده موقفا عاديا لا يحفزه على التوقف أو الانسحاب أو القلق أو الحيرة .
وربما يعده (ج) موقفا إيجابيا يستثمر منه فوائد لحياته .
وربما يعده (د) تحديا لتفجير طاقات وأفكار جديدة لم توجد إلا بالمرور في هذا الموقف .
وربما يعده (ه) فرصة لتعويض نقص أو تصحيح خطأ كان يعتمد عليه في حياته .وربما يعده (و) تنبيها لشيء مغفول عنه ، ليعيد تيقظه لما حوله … وربما … وربما …
إن هذا التوسع في النظرة ، هو ما يفقده الكثير حينما يعلق بموقف أو أكثر والأمر المهم في ذلك ، إن تصور كل منا عن المشكلة ؛ مختلف ومتباين ومتنوع ، كل بحسب تفهمه وخبرته وتجاربه ونمط شخصيته .
إذن المشكلة لا تكمن في (المشكلة) ؛ إنما في تصورنا الداخلي للموقف فالموقف الذي اعتبرناه مشكلة ، هو الذي اعتبره شخص آخر كشفا جديدا لأمر ما .
فنبقى إذن مع (التصور) .
والسؤال : من المسؤول عن هذا التصور ؟
هل الشخص نفسه ؟
أم تأثير مسميات الآخرين على الموقف ؟
أم الموقف وتأثيره الخاص على الشخص ؟
وهذا ما نعني به مشكلة (المشكلة) .
فهل تصورنا في طوع قيادتنا وإرادتنا ؟
أم أننا أسلمنا زمام عقولنا للسائد والمألوف حولنا ؟
فلنعالج تصوراتنا ، لكي نستقبل الموقف بعيون حيادية جديدة .
فليس المهم أن نبحث عن حل للمشكلة ، بقدر ما نفكر في التصور الذاتي الذي اعتبرها مشكلة .
بعد ذلك .. ليكن الموقف مشكلة أو لا يكون ؛ فلا يهم .ما دام العقل مطبوعا على اكتشاف الجديد والمجهول والبحث عن تجاوز التعقيدات في أي زمان أو مكان .
ولتكن حياتنا مليئة بالمواقف الجديدة والمجهولة والملتبسة ، كي نيقظ حس المغامرة وكشف المخبوء .
ففي داخلنا كائن عملاق لم يفتأ في التنقل من رحلة إلى رحلة في عالم الاكتشافات التي تحيط بنا .
فهل يعرقل هذا الكائن ويكبل ، بحجة أننا نعتبر ما يمر بنا مشكلة أو تعقيدا ؟!
وبدلا من استهلاك الطاقة الكامنة في ميادين الدائرة السلبية والانهزامية لمراحل حياتنا ؛ لنجرب مرة التنقل في الدوائر الإيجابية والاكتشافية لمحطات الحياة .
فالنظرة الإيجابية لا تعني أن نخدع العقل بمسمى الموقف أو المشكلة ؛ بل تعني أن نقدم ونبادر ونجرب ، بوعي وبصيرة وتخطيط وهدفية ولا يهم من يكون أمامنا ، أهو موقف أو مشكلة أو غموض أو مجهول .
فالكائن العملاق يسير دائما ، ولا يتوقف ؛ هذا إن لم نعرقله باعتقاد مسبق أو نكبله بشعور سلبي منهزم بأنه عاجز ضعيف في كل مرة نواجه موقفا ما جديدا على صفحة حياتنا .
[/JUSTIFY]
بقلم / عيسى مبارك الربيح – الطرف .