أحمد العطافي – جواثا
[JUSTIFY]حل الكاتب والباحث الإسلامي علي بن محمد عساكر ضيفا على منتدى بو خمسين الثقافي في أمسية ثقافية بعنوان “أبعاد الشخصية الإنسانية” أدراها الأستاذ المتألق علي البحراني الذي افتتح الأمسية بالشكر لمنتدى بوخمسين والترحيب بالحضور الكريم والتعريف بطبيعة الموضوع ،والحديث المقتضب عن الشخصية الإنسانية ومن ثم التعريف بضيف الأمسية الباحث علي عساكر الذي بدوره شكر منتدى بوخمسين لتشريفه بهذه الدعوة كما رحب بالحاضرين لينطلق بعدها في محاضرته التي سلط الضوء من خلالها على أبعاد الشخصية الإنسانية بشيء من التفصيل،وذلك من خلال عدة محاور.
المحور الأول : مفهوم الشخصية والأبعاد.حيث أثار فيه العديد من النقاط،التي افتتحها بالحديث عن أهمية الموضوع،ومنشأ تلك الأهمية موضحا أنها تكمن في أن الإنسان اجتماعي بطبعه،يهوى الحياة الاجتماعية،ومعاشرة الآخرين،والاختلاط بهم كما أنه مستخدم بطبعه بمعنى أنه يعجز عن تلبية كل احتياجاته بنفسه،مما يجعله مفتقرا ومحتاجا إلى الآخرين في كل شؤون حياته مما يعني أن الإنسان مسخر لخدمة الإنسان.
ثم بين أن فطرية الإنسان على الحياة الاجتماعية، وكذا حاجته لبني جنسه في تلبي احتياجاته،يحتمان عليه معرفة أبعاد شخصيات الآخرين،لعدة أسباب،منها أن ذلك يساعده على التنبؤ بردود أفعال الآخرين،وكيفية تعاملهم مع المواقف والأحداث،كما يمكنه من التعامل الصحيح معهم، حسب أبعاد شخصياتهم، إضافة إلى أن معرفة الأبعاد الإيجابية والسلبية لشخصيات الآخرين،تمكننا من العمل على تطوير الإيجابيات،وعلاج السلبيات في شخصياتهم،مما يساهم في بناء الشخصية الإنسانية الكاملة.
وبعد بيان أهمية الموضوع، انتقل المحاضر عساكر إلى بيان مصطلحات عنوانه، فأشار إلى كثرة التعريفات للشخصية الإنسانية،وأن بعضها يقصر ذلك في البدن وصفاته،وبعضها يقصره في النفس وسماتها،وبعضها يشمل البدن والنفس معا،ليخلص من ذلك إلى أن ملخص تعريف الشخصية،هو أنها هوية الإنسان الكاشفة عن صفاته البدنية،وسماته النفسية.
وأما البعد فهو مفهوم رياضي طبيعي،يعني الامتداد،الذي يمكن قياسه كالطول والعرض والارتفاع ،ثم توسع استخدامه ليشمل أبعادا سيكولوجية ومنها محاولة قياس أبعاد الشخصية الإنسانية،سواء عن طريق التجارب أو الاستبيانات،أو المقابلات الشخصية…أو غيرها مما هو مطروح في علم النفس ويعتمد عليه الأخصائيون النفسيون في دراساتهم للنفسيات ومحاولة التعرف على أبعادها.
وبعد تعريف الشخصية والأبعاد تطرق الكاتب عساكر إلى الحديث عن السلوك الإنساني،موضحا أنه يعني النشاط الذي يمارسه الإنسان في استجابته للمواقف والأحداث مبينا أنه قد يكون سلوكا حركيا،أو لفظيا،أو سيكولوجيا،أو معرفيا…أو غير ذلك من أنواع السلوك الذي هو سلوك غائي،يكف الإنسان عن مارسته متى تحققت الغاية التي يريد الوصول إليها من وراء قيامه بهذا السلوك أو ذاك.
قعدها انتقل المحاضر إلى بيان الرابطة الوثيقة جدا بين سمات الشخصية والسلوك الإنساني، موضحا أن المؤثرات في السلوك،والمحفزة له، ليست خارجية فقط،بل هي داخلية أيضا،فكل إنسان سيمارس هذا السلوك أو ذاك،تجاه المواقف والأحداث الخارجية،حسب طبيعته وأبعاد شخصيته.
وختم عساكر المحور الأول بالإشارة إلى أن أبعاد الشخصية الإنسانية،تنقسم إلى قسمسن : خاصة وتتمثل في سمات الشخصية البدنية والنفسية بما تحوي من إختلاف كلي أو جزئي عن الشخصيات الأخرى كالشخصيات الدموية والسوداوية والإنطوائية والإنبساطية والانفعالية وعامة وتتمثل في السمات المشتركة بين الناس جميعهم كعشق الجمال وحب العلم والميل إلى الأخلاق الكريمة وفطرية التدين
المحور الثاني : الأبعاد الخاصة :وقد تحدث فه الكاتب عساكر عن قدم تناول الحديث عن الأبعاد الخاصة للشخصية الإنسانية مبينا أنه يعود إلى عصر ما قبل التاريخ،حيث العصر الإغريقي موضحا أن نظرية أنماط الشخصية للطبيب الإغريقي (أبقراط) الذي كان في القرن الخامس قبل الميلاد،حول أبعاد الشخصية إن لم تكن أقدم النظريات،فهي من أقدمها في تناول الأبعاد الشخصيةالنمطية،وأنه منذ ذلك التاريخ وإلى عصرنا الحاضر،لا يزال الحديث عن الشخصية وأبعادها،محل اهتمام الفلاسفة والمفكرين وعلماء النفس،مما يدلل على أهمية هذا الموضوع،كما أنه ساهم إلى حد كبير جدا في تطويره عبر التراكم الزمني والمعرفي.
ثم انتقل عساكر إلى الحديث عن عوامل تكوين أبعاد الشخصية،حيث ركز قليلا على العامل الوراثي وأثره الكبير في صنع أبعاد الشخصية على مستوى الصفات البدنية والنفسية على السواء مستشهدا عليه من الناحيتين العلمية والدينية،ليشير بعد ذلك إلى عوامل أخرى لها دورها في صنع أبعاد شخصية الإنسان كالأسرة والمحيط،والعوامل الاجتماعية والمعتقدات الدينية والهيئات التعليمية…ليبين بعد ذلك خصائص الأبعاد الخاصة،ومن ذلك أنها طارئة وغير أصيلة، كما أنها لا تتصف بالعموم والشمولية وأن الكثير منها يمكن تطويره إن كان بعدا إيجابيا أو علاجه إن كان بعدا سلبيا.
المحور الثالث : الأبعاد العامةحيث أوضح المحاضر أنه في مقابل الأبعاد الخاصة، التي تميز هذه الشخصية عن تلك هناك أبعاد عامة ومشتركة بين جميع البشر ،موهي تتمثل في أربعة أبعاد،على النحو التالي :الجمال في الفن،والخير في الأخلاق،والحق في العلم،والبعد الروحي (الديني)وقد بين عساكر أن من صفات هذه الأبعاد وخصائصها،أنها أبعاد أصيلة وفطرية،بمعنى أن الناس جميعهم مفطورون عليها، وهي من طبيعتهم الإنسانية،ليتفرع على ذلك أن تكون عامة وشاملة، فهي موجودة عند الناس جميعهم،كما أنها غير قابلة للزوال،ولا يمكن القضاء عليها،مهما كانت المحاربة لها.
وبعد الحديث عن سمات هذه الأبعاد وصفاتها،انتقل المحاضر إلى الحديث عن أثر هذه الأبعاد في تطور الحضارة الإنسانية على جميع الأصعدة والمستويات ،فبين أن بعد الجمال في الفن،هو الذي دفع الإنسان إلى الاهتمام بكل أنواع الجمال في الحياة،مما ساهم في رقيه وتطور نظام حياته في كل النواحي الطبيعية فاهتمام الإنسان بشخصيته وهندامه ومظهره الخارجي وكذا عنايته بالحدائق والمناظر الطبيعية واهتمامه بالهندسة المعمارية وتشجيعه وممارسته لكل الفنون من الرسم والنحت والخط…كل ذلك وغيره هو نتاج فطريته على عشق الجمال والكمال مما ساهم في تطور الحضارة المدنية والعمرانية والفنية…للإنسان،عكس البهائم والحيوانات التي لم يتطور نظام حياتها الطبيعي في أي شيء،كونها فاقدة لهذا البعد المهم جدا.
وفي الحديث عن البعد الأخلاقي أكد عساكر على أن للصفات والأفعال الأخلاقية قيمها الذاتية، المتصفة بها والتي تمكننا من الحكم عليها بالحسن والقبح،من منطلق عقلي وقيمي أخلاقي بعيدا عن الدين وأحكامه،وأن الإنسان بفطرته يحب الحسن من القيم الأخلاقية،كما ينفر من قبيحها،بدليل أن كل الناس وبغض النظر عن معتقداتهم الدينية ومناطقهم الجغرافية ومستوياتهم العلمية، وتوجهاتهم الفكرية…يحبون الصدق والوفاء والأمانة
كما يكرهون وينفرون من الكذب والخيانة… ويصل حبهم للحسن وكرههم للقبيح من الصفات الأخلاقية،إلى حد أن كل فرد من الناس يدعي أنه متصف بكل صفة أخلاقية حسنة،كما أنه ينزه نفسه عن كل صفة قبيحة حتى ولو كان يعلم في قراره نفسه،أنه متصف بها…واسترسل عساكر في حديثه عن البعد الأخلاقي في الشخصية الإنسانية،إلى أن أشار إلى أن هذا البعد،هو الذي أثرى الحضارة الأخلاقية للحياة الإنسانية،وأنه السبب الرئيس وراء محاولة تحلي الإنسان بالفضيلة،والتخلي من الرذيلة.
وفي الحديث عن بعد الحق في العلم أشار عساكر إلى أن الإنسان مفطور على حب العلم،ومعرفة الحقائق في الأشياء، مشيرا إلى أن علم النفس قد أثبت وجود غريزة التعلم لدى الإنسان منذ صغره ونعومة أظفاره،بل حتى وهو في مهده،مبينا أن تطلع الأطفال في الأشياء ومص أصابعهم وتفكيكهم للعب والدمى…ما هو إلا محاولات استكشافية للأشياء ومحاولة جادة في التعرف على حقائقها،كما أن ما يرشقون به آباءهم وأمهاتهم ومن يحيطون بهم من أسئلة متنوعة عن الأشياء ومكونتها وأسبابها…كلها تدل على فطرية الإنسان على هذا البعد في حب العلم وعشقه وأن هذا البعد هو الذي أثرى الحضارة العلمية للإنسان ومكنه من غزو الفضاء، والغوص في أعماق البحار والنزول إلى تخوم الأرض، واكتشاف كل ما اكتشفه وما سيكتشفه في كل الحقول والميادين العلمية.
وأما في البعد الديني أبان عساكر إلى أنه لعل أول من أشار إلى هذا البعد وسماه بهذه التسمية هو الفيلسوف الأماني (رودلف آت) عام 1920م ،وأنه في شهر أكتوبر من عام 1958م ميلادية نشرت مجلة فرنسية مقالا بعنوان (البعد الرابع للروح الإنسانية) أكدت فيه وجود البعد الديني إلى جانب تلك الأبعاد الثلاثة (الجمال في الفن والخير في الأخلاق والحق في العلم) في الشخصية الإنسانية.
كما قدم عساكر عدة شواهد على صحة القول بوجود هذا البعد،وأصالته في النفس الإنسانية كان من بينها النزوع الفطري لدى الإنسان بالخضوع أمام قوة عليا،وأن الشواهد التاريخية،وما يؤكد الباحثون في الحضارات الإنسانية،كلها تؤكد أن الشعوب جميعا وبدون استثناء،وفي كل مراحل التاريخ مصبوغة بالصبغة الدينية،وأن الحفريات دلت على وجود المعابد من كنائس وأديرة ومساجد…في كل العصور،مما يثبت عدم خلو أي حقبة زمنية من الدين والإيمان.
وبعد الحديث عن هذه الأبعاد،أشار عساكر إلى أنها من الممكن أن تقوى أو تضعف لدى الإنسان ،وذلك وفق التوازن وعدمه في تعامله معها،وكذا وفق ما تواجهه هذه الأبعاد من حث عليها،ودعوة إليها،أو محاربة مضادة لها،مما يساهم في ظهورها بقوة تارة،وخفوتها تارة أخرى، ولكنها لا تموت ولا يمكن القضاء عليها أبدا.
وبعد المحاضرة داخل مدير الأمسية ومقدمها الأستاذ البحراني بتجديد الشكر للضيف المحاضروببعض التعليقات الإثرائية ثم فتح المجال للجمهور الذين كانت تعقيباتهم،ما بين مداخلات إثرائية وأسئلة استفسارية وكان من بين المداخلين الأستاذ مهدي الرمضان والأستاذ أيمن الخرس والأستاذ عبد الله الخميس والأستاذ زكي البحراني…إلى أن أسدل الستار على الأمسية وفاعليتها بالتقاط الصور التذكارية[/JUSTIFY]


