[JUSTIFY]
من حلبات الصراع الفكري .. من مستنقعات الفقر والجوع ..
من آبار الانعزال والخوف .. من رشقات الحروب وأزيز المعارك وطواحن الأحزمة الناسفة ..
من حمى الطائفية والتحزب والتمترس الموزع والمتهالك ..
من الغرف السرية لمخططات السياسيين والاستخبارات ..
من مجالس الخطباء المكتظة بالوعظ والمصاب والحزن والصراخ ؛ والخاوية من من الوعي والمعرفة ..
من طرقات محشر المشاية .. من تواقيع الفتاوى والمكاتب الدينية ..
من أروقة الحوزات وكتبهم الصفراء ..
من تراكم الشعائر ومقاذفات الانتماء والهوية ..
من صدام الوهم
ووهم الصدام ..
من ذلك كله …
أنزف وأكتب وأقفز وأنطلق …
من عصرنا الذي لا يشبه عصرا أو حقبة زمنية سابقة ولا لاحقة ..
من عصرنا كما هو ..
وليس كما يزايد عليه المنظرون والمتخمون بالمعلومات المتشابكة ..
من متناقضاته وغرائبه وغوامضه وواضحاته وصعوباته ومشاكله وآشكالياته ..
أنحت لي قلما ؛ وأحبره بخلاصة ذلك كله على أسطر من قضبان حديد ..
لأتهجى حروفا أربعة :
(حاء وسين وياء ونون)
هذه الحروف ..
كانت ترفرف على يد النبوة الخاتمة
وتزغرد على شجرة الزهراء بضعة نبيها وأمه ..
وكانت تغذيها الفصاحة والبلاغة الحيدرية .. لتقوم عودها بالصولات والجولات والتجارب والمشارب ..
وحق لهذه الحروف ..
أن تمتد لسمائه كل جانحة
ويخفق كل قلب في مداره ..
هذه الحروف مجتمعة تجسدت في إنسان حر أبي كريم عزيز شجاع صامد صابر ..
حطم كل طغيان مضى وسيأتي ..
هل سمعتم عن شخصية تقض مضاجع السلاطين الظلمة والطواغيت الدموية ؛ وهم بعد لما يأتون ولم يحن أوانهم ؟!
هذه الشخصية تقتات العظمة منها .. لتكون صانعة لتاريخ مجد .. لا مصنوعة في تاريخ السلاطين وتهديد الطغاة ؟
الحسين .. عنده سيف واحد كان يكفي أن يذل تحته كل اسم تنازعه نفسه أن يتحكم برقاب الناس في أي زمان ومكان ..
الحسين عنده صوت واحد يكفي لإسكات كل ضجيج الوعيد والتهديد في أبواق الحكام ووعاظهم ومتزلفيهم ..
إذن الحسين ..
لم يعش في حقبة تاريخية تبدأ وتنتهي لنسدل عليها ستار النهاية ..
إنه التاريخ الصانع ..
هل تدرك كيف تكون شخصية عاشت حقبة زمنية محدودة ؛ لكن عطاءها يكفي لأن تستقر الأرض كلها في مهد الاستقرتر والأمان والدعة ؟
لذا ثورة الحسين لم تكن من أجل السبعين أو ممن عاش في حقبته ؛ إنها من أجل الإنسان الذي ولد والذي لم يولد بعد ..
وبهذا كان الحسين تاريخا مؤثرا ..
إنه انطلق في حقبة .. لأجل كل الحقب ..
انطلق في مكان لأجل تحرير كل الأمكنة ..
لقد رفض يزيد .. لكنه كان رفضا لكل اليزيدين ..
انطلق نبويا وعلويا وحسنيا لرد الجاهلية الأموية وكل جاهلية ستتلبس لبوسا آخر ضد النبوة الخاتمة ..
هل أدركت هذا العطاء الذي تخطى كل الحدود ؟
الحسين واحد ..
وأهله وأنصاره واحد ؛ لأنهم ذابوا وانصهروا في تلك الحركة والنهوض ..
ومن جاء بعدهم .. إذا أدركوا ذلك التحرك واستوعبوا وعي النهوض وترجم ذلك على أرض الواقع .. فهم حسينيون ..
وهم والحسين واحد ..
ويمر شريط الأجيال .. وتنطوي الأمكنة والأزمنة ..
فهل بقي الحسين واحدا ؟
أم أنه تعدد بحسب الأفهام والاتجاهات ودرجات الوعي وطبقات المستوى ؟
هذا التعدد الذي تتناقض صوره وتتشكل هوياته .. فيتحزب كل فريق بمواصفات تختلف عن مواصفات ذلك الفريق ..
من المسؤول عنه ؟
هل الخطباء ؟
هل تقاعس الجمهور عن الامتثال ؟
هل طغيان الإعلام المضاد؟
هل اختلاف الأفهام لحركة الحسين ؟
الصورة الرمزية التي اتخذت لها الآن مقاييس مختلفة ، ويتصارع بها باسم الحسين والدين .. هل هي فعلا الصورة الحقيقية ؟
أم أنها صورة من صراع أفهامنا ومحاولاتنا التي باءت بالفشل في سبيل الحسين ؟
هل هذا الصراع الذي نتنازعه في تشكيل صورة القدوة والإلهام للحسين .. فيه من لغة انهزامنا وتقهقرنا ؟
أم هي الصورة الحقيقية التي لم تغيرها الأفهام ولا المحاولات؟
ألم يحن الوقت أن نجتمع على مائدة واحدة باسم الحسين لنعلق أجزاء صورتنا عنه ؟
فقد نخرج بصورة واحدة كبيرة .. كنا نظن أن كل فريق كان يمتلك حقيقة الحسين بما عنده …
وهذه الأجزاء من الصورة التي ننافح ونذب عنها ضد القريب والبعيد .. ألا نفترض أنها جزء من أجزاء … ؟
وهل الحسين جاء لنحترب داخليا من أجله ؟
ألم تكن الاتجاهات والنوازع والآراء في عهد الحسين متنازعة ومختلف فيها ؟
فكيف كان موقف الحسين تجاهها ؟ وما هي توصياته لأنصاره وأهله تجاه هذه الصور المختلفة ؟
هذه الأنا المتضخمة …
هل نقوى على اعتبارها تمثلا حسينيا في الاقتداء والسلوك والموقف ؟
إذن .. أين الحسين من واقعنا هذا ؟
الحسين صدر رحب لكل من أتى إليه في أي زمان ومكان ولغة وثقافة واتجاه …
لكن الحسين أسس لتاريخ فهمه وقراءته ووثق لحركته نصوصا ومواقف ..
الحسين يدرك أبعاد الزمان وتغيرات البيئة وتكاثف الظروف ..
لذا خط بلسانه خلفيات موقفه ونهجه .. وأرخ لمواقفه .. واختار أعوانه بدقة لهذا المسار .. وسلم أمانة النهضة للإمام من بعده ..
فأيننا عن هذا كله ؟
الحسين واحد ولن يتغير ؛
لكن وسائل الوصول إليه متعددة ومتغيرة …
والوسائل ينبغي أن لا تعدد منه ؛ بل تؤكد حضوره وقوته وتأثيره ..
فالحسين غاية ووسيلة ..
والوسائل مهما تعددت وتنوعت ؛ هي تصب في مسار الغاية ..
وكأن الغاية في فضائها ومساحتها تحدد نوعية الوسيلة التي تحقق تلك الغاية ..
وهذا الافتراق المنهجي في قراءة رمزية الحسين .. تؤسس لفهم مفصلي في واقعنا المؤرق .
[/JUSTIFY]
بقلم / عيسى مبارك الربيح – الطرف