[JUSTIFY]في كل جيل وزمن ، نحن على موعد لأسئلة برعمية لأطفال بدأ جناحهم يستنشق نسيم الحياة .
وهذا ما يحدث دائما مع إبني (الرضي) وأحيانا مع أخته الصغيرة (آمنة) وأعتقد أنها تحصل مع الكثير من فلذات أكبادنا .
فقد اعتدت في شهر رمضان أن أقرأ عليهما من قصص الأنبياء قبل النوم . فكان أن قرأت على ابني الرضي قصة النبي نوح وكنت في بداية القصة حيث أخبرته أن النبي نوح بذل جهدا كبيرا في الدعوة وقضى الكثير من السنين ، لكن لم يؤمن بدعوته إلا القليل .
عند هذا قفز شبح السؤال لابني وهو غارق في الانصات والتركيز
– بابا ..
أنت قلت لي من زمان إن الله يعلم بكل شيء ، وهو يعلم أن هؤلاء القوم سوف لن يؤمنوا ؛ فلماذا يخلقهم ؟!!
عندها ابتلعتني الدهشة فلم أتوقع أن يسألني هذا السؤال على الرغم من أني اعتدت على مفاجآت من أسئلة لكن ليس بهذا العيار الثقيل .
فكان أن أجبته – كاجتهاد مني- لأقرب له الإجابة قدر الامكان :
– صحيح يا بني الله يعلم بكل شيء ، لكن الله أعطاهم عقلا يختار ، وهم يعرفون الخير من الشر ، فهم المسؤولون ؛ وإذا كان الله يعلم لأنه خالقهم لكن هؤلاء الناس لا يعلمون ، ولا بد أن الله يخلقهم وبعدها يفكرون ويختارون ما يريدون ، ثم الله يحاسبهم .
هكذا أجبته ثم رأيته صامتا ولا أدري هل اقتنع بالإجابة ؟
أم أن اجابتي طردت شبح السؤال فقط ولربما يستيقظ هذا الشبح بسؤال اكثر تعقيدا ؟!
وتذكرت حينها قبل فترة أنه سألني سؤالا فيه جنبه فلسفية .
فقد كنت مرة أقص عليه قصة النبي آدم وحينما قلت له بأن ابليس وسوس لآدم استوقفه هذا الأمر فقال :
– بابا ..
أنت تقول أن إبليس مخلوق من نار .
فأجبته :
– صح بابا ..
وأطلق سهم السؤال :
– فلماذا لا يحترق الإنسان حينما يدخل إبليس في رأسه وهو يوسوس له ؟!
لا أظن أحدا يتصور عمق هذا الإشكال .
ومرة أخرى حاولت أن أجيبه ، لكن لا أظن أني وفقت .
فلقد قلت له :
– إن إبليس يوسوس بطريقة لا يحرقنا .
على الرغم أني من المفترض أواصل السير لتساؤله لأقول له مثلا بأن ابليس إذا وسوس للإنسان وأطاعه فإنه يحرق شجرة التقوى الإيمان المنغرسة في الداخل .
لربما هذا التعبير أنسب لعالمه الحسي .
وموقف آخر حدث مع أخته ( وكأنهما على موعد لتفكيك تفكيري بتلغيم أسئلة غير متوقعة ) .
وأنا أختتم لها قصة النبي آدم ، حيث النبي على فراش الموت فطلب من ابنه الشيث عنبا.. فراح الابن ليحضر للنبي ما اشتهى . وحالما عاد وجد النبي آدم قد فارق الحياة .
وهنا ضحكت ابنتي وقالت لي :
– خدعه ..
وهي تقصد أن النبي آدم خدع ابنه ولم يأكل ما طلبه منه ! .
فقلت لها :
– لا .. النبي آدم مات والله يريده فأخذه عنده وإبنه شيث لا يدري أن النبي آدم سيموت ..هكذا أجبتها .
لربما لو قلت لها مثلا :
إن الله سيعطي آدم في الجنة عنبا ألذ وأحلى من الذي طلبه لكان أنسب لكن هذا ما جادت به قريحتي الاجتهادية ذاك الوقت .
وهناك الكثير يحدث لي من هذه الأسئلة التي تدك حصون العقل ، وتثبت بأن عبقرية عميقة تختبئ في عالم البراءة ، هذه العبقرية تتفجر بأسلوب السؤال .
وكأن السؤال غذاء ينمي في عقله الطيران نحو المجهولات لاكتشافها ..إنها فطرة البحث والتعلم التي تشق لمسار التفكير أوليات الأشياء والمفاهيم وحق علينا لهذه البذرة أن نعطيها الحرية والمجال والمساعدة لتنمو وتثمر اكتشافات ومزيد من أسئلة.
الأسئلة عالم والتفكير عالم فلا بد من مزاوجة هذين العالمين لاطلاق جناح البراءة نحو الحرية والمبادرة . فالسؤال تعلم لذا ينبغي أن تكون نوع الإجابة محفزة للبحث والسؤال وليس فقط لتلجم سؤاله عن ميادين البحث .
فالأطفال لا يبحثون عن إجابة ؛ بقدر ما يبحقون عن محفز يحثهم على مضاعفة الأسئلة والاكتشافات والبحث .
لذا الإجابة – أيا كان نوعها – لا تلجم السؤال ؛ بقدر ما يتفرع عنه أسئلة أخرى .
أما الهروب أو الاستخفاف أو الالتجاء لإجابات جاهزة أو غير مناسبة فهذا سيودي بعالم الأسئلة البرعمية إلى تنتيف أزغاب جناحيه ثم يغلق في صندق محكم ليلتحق بركب المسحوقين من أطفالنا إبداعيا وفكريا .
[/JUSTIFY]
بقلم / عيسى مبارك الربيح – الطرف