روي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام انه قال للفضيل بن يسار : يا فضيل”أتجلسون وتتحدثون ؟ قال : نعم جعلت فداك قال :” إن تلك المجالس أحبها فاحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا من ذَ كرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح ذبابه غفر الله له ذنوبه ولو كانت كزبد البحر “
المحور الأول : عاشوراء كظاهرة فريدة أصبحت معرّفاً للتشيع ولمحبة أهل البيت عليهم السلام .
تعتبر ظاهرة عاشوراء أكبر ظاهرة مرت على التشيع فهي ظاهرة جليلة بكل المقاييس ..إن تحدثنا عن أثرها إن تحدثنا عن سعة انتشارها أو عن تداعياتها .. فلا نكاد نظفر بظاهرة تناظرها في ذلك لا في تاريخ الشيعة ولا غيرهم بل ولعلنا لا نظفر بمثيل لها في تاريخ الأمم الأخرى فهي بحق ظاهرة فريدة من نوعها .
ويكفي لإثبات فرادتها أنها باتت هي المُعرّف الأبرز للشيعة فإن سأل سائل من هم الشيعة؟ قيل له هم أولئك الذين يبكون على الحسين عليه السلام هم أولئك الذين يقيمون المآتم على الحسين عليه السلام يقيمون الشعائر و…و..و. إذن فمن جهة فرادتها باتت معرفاً للتشيع .
ولبيان كونها باتت المَعلم الأبرز والمُعرَف للشيعة نذكر بعض الشواهد التاريخية التي تبين كيف أن المجتمعات الأخرى إذا أرادت أن تُظهر ميلها إلى التشيع أو تزلفها للشيعة رفعت شعار عاشوراء كمؤشر على ذلك :-
الشاهد الأول : ما يذكره سفير الدولة الصفوية في الهند الصينية (بلاد تايلند حالياً ) كتب هذا السفير في مذكراته (سفر نامة محمد ربيع بن محمد إبراهيم ) والتي عرفت أيضاً بسفينة سليمان طبعتها جامعة طهران سنة 1957 بتصحيح الدكتور عباس فاروقي ذكر في يومياته والأحداث التي عاصرها أنه قد صادف في سنة 1098هـ أن حاكم تلك البلاد ضعف حكمه وظهرت عنده بعض التمرد السياسي فبتوسط بعض تجار الشيعة من الإيرانيين الذين كانوا يرتادون بلاده استعان بحكام الصفويين فاستجابت له الدولة الصفوية ، فلما أستقر به الأمر أراد أن يُظهر ميله وتزلفه إلى شيعة إيران فأمر بأن تُقام مراسم عاشوراء في كل عام أبتداءً من تلك السنة .
الشاهد الثاني : ما يذكره المؤرخ والمستشرق الايطالي ( مارينو سانوتو ) له كتاب ومذكرات يتحدث عن أحداث بدايات القرن العاشر الهجري يقول : وقد ساد التشيع في تلك المرحلة ثلاثة أرباع بلاد الأناضول ؛ طبعاً بعض الدارسين لهذه المذكرات يقول : من الواضح أن هذه المنطقة لم تكن معروفه بالتشيع إلى هذا الحد فعندما نرجع اليوم إلى بلاد الأناضول لا نرى هذا المقدار الذي وصفه هذا المؤرخ بحيث يكون ثلاثة أرباع السكان يُظهرون تشيعهم! فلعل اللبس الذي وقع فيه أن هذه البلاد في تلك الحقبة كانت تُظهر حبها لأهل البيت وميلها إلى التشيع من خلال إقامة ذكرى عاشوراء وشعائر الإمام الحسين لأن الدولة العثمانية كانت تُبرز رفضها لتلك الشعائر وقد عثر على وثيقة في خزانة الدولة العثمانية تكشف عن أن بعض طوائف ( البكتاش ) الأناضول في تلك الفترة كانت تقيم شعائر عاشوراء .
الشاهد الثالث : ما يذكره الذهبي في ترجمته لأحداث سنة (٥٧٠ هـ) عندما استنجد حاكم حلب بشيعة العراق لينصروه على الأيوبين الذين أرادوا اسقاط حكمه ودولته يقول الذهبي : شرط شيعة العراق في نجدتهم له أن يعطيهم عهداً وميثاقاً بإقامة شعائر الحسين إن استتب له الأمر وفعلاً أعطاهم ووفى لهم بما اشترطوه ، فصارت الدولة الحمدانية تُظهر ولائها وحبها لأهل البيت وكان المظهر الأبرز إقامة الشعائر على أبي عبدالله .
المحور الثاني : سؤال الهدف ونظرياته .
هذه الظاهرة الفريدة في سماتها العظيمة في مضمونها ووقعها ، والتي أمتدت في مساحتها بحيث شملت أغلب بلدان العالم فوصلت إلى أطراف الصين وشرق آسيا وكذلك غزت بلدان آسيا الوسطى والأناضول فضلآً عن امتدادها إلى بلاد مصر وشمال أفريقيا واليوم تكاد لا تظفر ببلد في الغرب أو الشرق إلا وترى للحسين فيها رايةً ولعاشوراء معلماً هذا جغرافيتها وأما تاريخها فقد أمتدت عمق التاريخ منذ شهادة الإمام عليه السلام بل وقبل شهادته وإلى يوم الناس هذا وذكرى عاشوراء تُقام وتتجدد في كل عام وستبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وعدٌ إلهي للحسين وآل الحسين عليهم السلام لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل حظيت هذه الظاهرة بدراسات وبحوث تناسب مع جمها وفرادتها ؟! هل هناك دراسات تسلط الضوء علي الجهود التي تبذل وعلى الآثار والتداعيات التي تحدثها عاشوراء منذ مئات الملايين من الساعات تبذلها الشيعة في كل ليلة باسم الحسين عليه السلام ، زي زننا في كل ليلة نبذل أعماراً باسم الحسين من ضحى بعمره الشريف تبدل له أعمار في كل ساعة من ساعات عاشوراء فضلاً عن الأموال والجهود والطاقات التي تبذل باسم الحسين هل هناك دراسات ميدانية تظهر ضخامة العطاء ومدى تأثيره وتداعياته وعوامله وأسبابه وآثاره النفسية والاجتماعية وكيف أن عاشوراء له أكبر الأثر في إشاعة السلم الاجتماعي والسلم النفسي على الشيعة والأمة بكاملها هذه الجرعات الروحية والتربوية عالية المستوى التي تُضخ في الجسد الشيعي أفراداً ومجتمعات كم لها من عظيم الأثر في إشاعة حالة التصالح والسلم الداخلي للمجتمع والفرد .
إذا رجعنا إلى التراث الحسيني نجده ثريا، ونحن نفـّرق بين الحدث الحسيني وبين عاشوراء نفسها الحدث الحسيني نريد به أحداث القضية الحسينية وما جرى على الإمام الحسين سنة 60 هـ حينما خرج من المدينة المنورة إلى أن استشهد في كربلاء هذا ما نعنيه ( بالحدث الحسيني ) بينما ( عاشوراء) تعني إحياء ذكرى الحدث الحسيني .
كثيرة هي الكتب التي كُتبت حول نهضة وثورة الحسين لكن قليل ما كُتب حول ظاهرة عاشوراء فعلى سبيل المثال حينما تنتفتح على التراث الأدبي الذي أثرتنا به نهضة الحسين نجد موسعات كثيرة في هذا السياق خذ مثلاً (كتاب أدب الطف ) للمرحوم السيد جواد شبر عشرة مجلدات تناول فيها مئات بل آلاف القصائد التي كُتبت في الحسين على مستوى التاريخ وكتابة الأحداث والسيرة وكل ما يرتبط بالحسين لدينا موسوعات كموسوعة (الشيخ الكرباسي) حفظه الله لديه موسوعة تتكون من 600 مجلد كلها حول الحسين وينوي الكاتب إيصالها إلى 1000 مجلد وعندما نأتي إلى المؤسسات الحسينية كمؤسسة العتبة الحسينية مثلاً نجد جهوداً جبارة ومشكورة عشرات المؤتمرات والندوات والكتب والدوريات التي تصدر بإسم الحسين لكن من بين هذا كله لا نكاد نظفر إلا بدراسات قليلة ومعدودة عن ظاهرة عاشوراء .
فلماذا هذا الزهد في الكتابة حول عاشوراء ؟!
إذن نحن بحاجة ماسة إلى أن تتحرك الأقلام وتؤلف الكتب لرصد هذه الظاهرة ودراسة عواملها وأهدافها .
النظريات حول أهداف إحياء عاشوراء
وكخطوة على هذا الطريق نحتاج في دراسات هذه الظاهرة أن نطرح الأسئلة الكبرى حوله وأول هذه الأسئلة هو سؤال الهدف ما هو هدف عاشوراء أو ماهي الأهداف التي تنشدها عاشوراء ؟! وفي سبيل الإجابة عن هذا السؤال المركزي نطرح عدة
نظريات ونبيّنها تباعاً :
النظرية الأولى: ما نطلق عليها ( نظرية الاندكاك) .
ترى هذه النظرية أن أهداف عاشوراء هي الأهداف التي انطلق من أجلها الحسين فرقنا قبل قليل بين مفهوم (الحدث الحسيني) ومفهوم (عاشوراء) وقلنا : بأن مفهوم الحدث الحسيني هي تلك الأحداث التي جرت سنة 60 هـ وانتهت بشهادة الحسين أما مفهوم عاشوراء فيعني إحياء تلك الذكرى وإقامة المجالس والعزاء في كل عام بإسم الإمام الحسين ع .
ونحن نسأل عن أهداف عاشوراء لا عن أهداف الحدث الحسيني هذه النظرية تقول : بأن اهداف عاشوراء هي عينها أهداف الحدث الحسيني هناك اندكاك بين الحدث الحسيني وبين عاشوراء لماذا؟! يقولون : بأن عاشوراء ما هي إلا صدى لذلك الصوت فهي إحياء لشهادة الحسين والصدى لا يزيد في محتواه على الأصل إذن اهداف عاشوراء هي عينها الأهداف التي تحرك الحسين لأجلها واستشهد الحسين ع لأجلها . فكل هدف تحرك الحسين ع لاجله هو هدف عاشورائي، الحسين ع تحرك لأجل إزالة الظلم ولإعلان رفضة لبيعة يزيد إذن واحد من اهداف عاشوراء هو الاشعار بأن الإنسان يرفض الظلم الحسين تحرك لكي يبقى الدين ويحفظ الدين إذن واحد من أهداف عاشوراء هو حفظ الدين وإبقاء الدين الحسين تحرك ليعيد إلى الأمة كرامتها ويرجع لها إرادتها المسلوبة ، فعاشوراء واحدة من أهدافها المحافظة على كرامة الأمة وعلى إرادتها .
إذن النظرية الأولى ترى أن أهداف عاشوراء هي عينها أهداف الحسين التي انطلق من أجلها .
النظرية الثانية : (نظرية الأهداف الأولية والأهداف الكبرى).
تفكك هذه النظرية بين أهداف الحسين ع وأهداف عاشوراء فتقول : لا يصح ان نخلط بين الأهداف الحسينية وأهداف عاشوراء الاهداف التي تحرك لأجلها الحسين هي الأهداف الأولية وهي في أغلبها أهداف مرحلية كانت مرتبطة بذلك العصر وبتلك الحقبة التاريخية فلا يصح ترحيلها إلى عاشوراء فمثلاً الإمام الحسين ع خرج من المدينة المنورة ليعلن رفضه لبيعة يزيد تحرك من المدينة المنورة ثم من مكة المكرمة ليحفظ حرمة المدينة وحرمة البيت الحرام في مكة واستجابة ً لكتابات العراقيين وهذه الأهداف التاريخية لا يمكن ترحيلها إلى قضية عاشوراء فعاشوراء ترتبط بما بعد الحدث الحسيني وبما بعد شهادة الإمام .
إذن يجب ان نفرّق بين الأهداف الأولية والأهداف الكبرى صحيح أن هذه امتداد لتلك لكنها توسعت وازدادت حيث استطاعت عاشوراء أن تعرّض وتوسع الأهداف الحسينية ولا ريب أن أهداف عاشوراء أرادها الحسين أيضاً ، لكن هذه أهداف أرادها الحسين لعاشوراء وتلك أهداف آرادها للحدث الآني .
ثم يقول اصحاب هذه النظرية : إذا أردنا أن نتعرف على أهداف عاشوراء فهي أهداف تبتدئ بعد مصرع الحسين فيجب أن نركز دراستنا على المرحلة التي تسلم زمامها الإمام زين العابدين والحوراء زينب لأن هذين العظيمين هما اللذان استلما الأهداف الحسينية من بعد المصرع ومن بعد الشهادة ورفعوها كأهداف عليا لنهضة الحسين إذن أهداف عاشوراء أول من اختطها وأول من رسم ملامحها الإمام زين العابدين والحوراء زينب لأنهما هم أول من أقام العزاء على الحسين في مجلس يزيد وابن زياد .
النظرية الثالثة : نظرية الاختزال العاطفي .
هذه النظرية تقول لا يصح أن نكثر الأهداف العاشورائية ؛ لأن الأهداف إذا كثرت تشتت الأنتباه وقل التأثير أما إذا ركزنا على هدف محدد يكون التأثير أقوى والنتيجة تكون ناجزة وواضحة .. ومن هنا تنطلق نظرية ( الأختزال العاطفي) من القول بأن جميع الأهداف الحسينية يجب أن تختزل في هدفٍ واحد وهو العاطفة ، الإمام الحسين ع إنما تحرك واستشهد من أجل ان يستثيرالعواطف ، فمتى ما استثيرت عواطف الناس ، فالعاطفة كفيلة بأن تجعل الناس تحف بهذا المنبع وتحف بالحسين (ع ) وبأهداف الحسين ومبادئه .
ويؤكد هذا المعنى ، أننا حينما نرجع إلى تراث أهل البيت نجد جٌل ما كان الأئمة يركزون عليه هي القضية العاطفية العناوين التي أطلقوها وصارت عناوين شرعية لشعائر الحسين (ع) هي عناوين ترتبط بالعاطفة ” البكاء-التباكي –الابكاء – وانشاد الشعر – الجزع “دائماً القضايا المرتبطة بالجانب الشعائري هي أمور عاطفية تتحرك فيها عواطف وانفعالات الإنسان فيوظف الإنسان الطاقات العاطفية في خدمة الحسين .
إذن فنظرية الاختزال ترى أن الهدف المرشح لاختزال الأهداف وتركيزها ضمنه هو الهدف العاطفي ليس إلا .
نحاول هنا ان نشذب النظرة العاطفية ونهذبها لأنها تعرضت لبعض الاشكالات الإشكال الأول : اشكل على النظرية العاطفية ، بأن العاطفة لا يمكن ان تكون هدفاً اقصى ؛ لأن العاطفة دائماً تكون وسيلة لا غاية ، فلا يصح أن يقال بأننا ندعو الأمة للبكاء فقط لأجل البكاء ، وحتى تكون أمة باكية وفقط ، ..لا … ، بل لابد أن يكون لها هدف من وراء البكاء، فأول اشكال سجل على نظرية الاختزال العاطفي : ان العواطف والحالة العاطفية لا يمكن أن تكون هدفاً، لا بد ان يكون ورائها هدف .
الاشكال الثاني : إن فكرة أن الأهداف إذا تكثرت تشتت الأنتباه وقل التأثير ، ليست صحيحة علي إطلاقها ، فإن الحادثة إذا كانت عظيمة وتملتك من الزخم ومن المشاعر ومن السخونة الشيء الكبير .. فلا يصح ان تختزل لتحقيق هدف واحد لماذا الزهد في تحقيق الأهداف إذا كانت القضية قادرة على أن تحقق لك أهداف أكثر فوظفها لتحقيق أقصى ما يسعك من الأهداف ، وهذا ما صنعه أئمة أهل البيت عليهم السلام ، نعم لا مانع من أن تتركز الأهداف ولا تتشتت ولكن نحن نطرح التركز الطولي وليس العرضي أي التركز المرحلي وهذا ما يوصلنا إلى النظرية الأخيرة وهي التي نتنبناها بمعية الاختزال العاطفي .
النظرية الخامسة : نظرية الأهداف المرحلية .
ترى هذه النظرية ان مما أمتازت به عاشوراء قدرتها على الانتاج وتوليد الأهداف ، فإن أهداف عاشوراء لا يصح ، أن تُأطر بإطارٍ ثابت أو تجمّـد ضمن هدف ٍ واحد أو أهداف محدودة ، فإن من سمات عاشوراء سمة التجدد والقدرة على الانتاج وتستطيع أن تنتج أهدافاً في كل مرحلة بما يتناسب مع تلك المرحلة ووظيفتنا هي إعادة إنتاج عاشوراء وإعادة إنتاج أهداف جديدة منها ولكي نبرهن على صحة هذه النظرية ، نعطي بعض الشواهد والأمثلة من سيرة المعصومين ع ، وكيف أن الأئمة جعلوا أهداف عاشوراء أهداف متجدده ولم يجعلوها أهداف جامدة لا تقبل التجدد.
1– لاحظ الدور الذي نهض به الإمام زين العابدين فالإمام السجاد هو أول إمام وظف قضية عاشوراء لخدمة الأهداف الكبرى التي أُرادها الحسين (ْع) ، وعلى الأخص الأهداف التي كانت لصيقة بحركة الحسين وهي الرفض ليزيد وحكم يزيد فالإمام زين العابدين بمجرد أن تسلم زمام الأمر من بعد شهادة أبيه وظف عاشوراء في خدمة هذا الهدف فعندما كان في موكب السبا ، كان الماتم التي يقيمها يسجل بها احتجاجاً على يزيد وابن زياد ثم لما رجع إلى المدينة ، يقول المؤرخون أقام في بادية المدينة المنورة سنوات عديدة ، بنى له بيت من الشعر (خيمة) وأقام فيها عدة سنوات ليظهر سخطه على أهل المدينة ، إذ كيف يُقتل سبط رسول الله بمرأى ومسمع منكم وأنتم لا تحركون ساكناً ! وفعلاً نجح الإمام ع إذ نجحت هذه الخطوة في استثارة مشاعر أهل المدينة فأعلنوا تمردهم على يزيد بن معاوية ووقعت ثورة المدينة التي أعقبتها أحداث وواقعة الحره ، بل استمر سلام الله عليه يستثير مشاعر الأمة من خلال كثرة بكائه وإقامة العزاء والرثاء على أبيه كان يدخل إلى سوق القصابين فيرى قصاباً يريد أن يذبح الكبش فيسقيه الماء فيقول له :أنتم معاشر القصابين هل تذبحون الكبش دون أن تسقوه الماء ؟ قيل : لا نحن لا نذبحه حتى نعرض عليه الماء فقال : واعجباه .. لا يذبح الكبش حتى يسقى ، ويُذبح ابن رسول الله عطشانا وكان يذكر الأمة بن حين وآخر بدم الحسين (ع) وثأره حتى تحرك الكوفييون وقام المختار لاجل أن يأخذ بالثار وثار التوابون ، وثار غيرهم من العلويين إلى أن ذهب حكم بني أمية وبني مروان .
2– من بعد الإمام زين العابدين جاء الأئمة من بعده الباقر والصادق والكاظم والرضا صلوات الله عليهم اجمعين فوظفوا قضية عاشوراء في تحقيق أهداف أخرى فأعيد إنتاج عاشوراء من خلال أهداف أخرى وأعيد توظيفها ماهو الهدف الذي تحرك من اجله المعصومين ع ؟! هو رسم الملامح العامة لمدرسة أهل البيت سلام الله عليهم ، فقد كان الشيعة وكانت مدرسة أهل البيت متمازجة مع المدارس الإسلامية الأخرى متداخله وتحتاج إلى معلم واضح تتميز به هذه المدرسة ويكون سياج واضح يؤطر هذه المدرسة ويميزها عن غيرها ، ماهو هذا السياج وما هو هذا المعلم الذي طرحته مدرسة الباقر والصادق والكاظم والرضا ع ؟! …. كان المعلم هو الحسين ، فجُعل الحسين (ع) وكل ما يتصل بالحسين محوراً لهذا السياج ، فجائتنا الروايات عن الائمة ع تحث على كل ما يرتبط بالحسين كزيارته والبكاء عليه وإنشاد الشعر فيه والجزع عليه وإقامة المجالس عليه وجعلت ذلك شعاراً وعلامةً على مودة أهل البيت والانتماء إلى مدرستهم إذن فمن خلال عاشوراء الحسين رسمت ملامح المذهب في ذلك الحين حتى أحد المستشرقين وهو الألماني بروكلمان يقول إن التشيع لم ينشأ إلا بعد شهادة الحسين نشأة التشيع حصل بعد شهادة الحسين وهكذا استمرت الأهداف تستجد حيناً بعد حين وعصرأ بعد عصر ومرحلة بعد مرحلة على يد أئمة البيت وكانت عاشوراء توظف في هذا السياق .” أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا ” العنوان هو عاشوراء والمحتوى هو استمرار كيان ومدرسة أهل البيت عليه السلام .
وهكذا استمر هذا التوظيف :-
3- ففي عصر الغيبة بدأ يطرح الشيعة قضية عاشوراء في سياق التمهيد لمشروع المهدي عليه السلام وأنها تعيد تموضع الأمة في سياق نصرة المهدي الموعود .
عاشوراء اليوم
وأما عاشوراء اليوم ، فالهدف الذي نراه مناسباً ليعاد انتاجة ضمن عاشوراء هو الهدف الإنساني باعتبار أن الخطاب الإنساني اليوم بات ساخناً وحاضراً بقوة في نداءات المجتمعات والأمم ، فجميلٌ أن تمرر عاشوراء من خلال هذا الطرح الإنساني باعتبار أن عاشوراء حافلة بالمواقف الإنسانية ولأن الهدف الإنساني كان هدفاً بارزاً في حركة سيد الشهداء عليه السلام فقد رأيناه في يوم عاشوراء محتضناً للرسالة الإنسانية في مواقفه وسلوكه ونداءاته وفي تلون الأعراق والقوميات التي حضرت معه إلى كربلاء من جون الأسود الأفريقي إلى واضح الأبيض التركي إلى وهب النصراني و….و فالحسين ع قضية إنسانية عامة تشمل كل الأمم وكل الأطياف لذلك رأينا كل الاحرار من سائر الأمم ومن سائر الديانات والاعراق تنادي بإسم الإمام الحسين أذن الهدف الإنساني هدف يتناسب مع هذا العصر وهذه المرحلة ليعاد إنتاجة من خاال عاشوراء
العاطفة في خدمة الأهداف
يبقى أن نؤكد على ضرورة النظرية العاطفية .. القضية العاطفية في مشروع الإمام الحسين ع قضية حاضرة بقوة وقضية اكسبت مشروع الإمام الحسين فرادته فأصبح فريداً من نوعه .
كثير من الاحداث التي مرت على الأمم والشعوب قد تجد فيها موقف عاطفي من هنا او هناك لكن لا ينجح في ان يبقي الرصيد العاطفي مخزوناً على مر العصور ربما نرى مأساة أو ظلامة مرت على أحدى الأمم أو الشعوب يحرك مشاعرهم لأمد لكن سرعان ما يخبوا أما الحسين فإن لقتله حرارة في قلوب المؤمنين لا تخبو أبداً .، أضف إلى ذلك أأن الملاحظ في السلوك البشري أن الفكر يصعب عليه أن يوظّف العاطفة لصنع المواقف، لكن للعاطفة سحر خاص بحيث تتمكن وبسهولة من تذليل الفكر ليطيعها وينقاد معها في صنع المواقف
إذن فالقضية العاطفية أعطت للمشروع الحسيني فراده وامتياز من نوع خاص بالعاطفة امتاز به الإمام الحسين ع على بقية المعصومين وبالتالي فالعاطفة التي لها مركزيتها في عاشوراء لا يصح إزاحتها بل يجب توظيفها .
نعم .. نحن لا نقبل – ونؤكد على ذلك – ان تفرغ العاطفة من محتواها ، ويبالغ في العاطفة بحيث نريد أن نجعل العاطفة فقط لأجل العاطفة ! قلنا بأن الأئمة لا يريدون أمة باكية هذا غير موجود في منهج أهل البيت الأئمة يريدون أمة توظف العاطفة لخدمة القيم العليا الأئم وظفوا العاطفة في خدمة الحسين ع ، فإذا فرغت العاطفة من الأهداف الحسينية فقدت قيمتها ومحتواها . لذا نصل إلى النتيجة المتوازنة :المحافظة على العاطفة وتوظيف العاطفة لخدمة الأهداف الحسينية الكبرى .
يقول الأمام الصادق عليه السلام : “احيوا أمرنا ” يعني إحياء مبادئهم وإحياء فكرهم وأهدافهم والإمام يُضمن كل الأهداف التي أرادها اهل البيت يضمنها في قضية الحسين عليه السلام ثم يقول : من ذكرنا أوذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح ذبابه ..”إذن الأهداف مررت من خلال العاطفة “غفر الله ذنوبه” والحدلله رب العالمين .
- للاستماع إلى المحاضرة :
- https://youtu.be/DHpzgBBQHc4
- إعداد : فريق – صدى المنبر