الجزء الثالث :
كيف ترى منزلة فلسفة الأخلاق في الفلسفة عموما ؟
لم تنل الفلسفة الأخلاقية الاهتمام الكافي من بحثنا قديما وحديثا، وكأن هناك شعور عام بإن الأديان تكفي ولسنا في حاجة إلى فلسفة في الأخلاق، ولا ينطبق هذا فقط على الفلسفة الإسلامية التي كانت في معظمها فلسفة يونانية، ذلك أننا نميز بينها وبين “فلسفة الإسلام”: الأولى نقل للفلسفة والأخلاق اليونانية والثانية هي ما نحن في حاجة إليه ونسعى لتأسيسه. أقول لا تنطبق قلة البحث في الأخلاق على ثقافتنا وحضارتنا، بل إننا نجد اليوم في الفلسفات الغربية شبه غياب للإبداع الفلسفي في الأخلاق.ويمكننا أن نصف واقع الدراسات الأخلاقية في استمرارية تيار ينكر على الفلسفة الاهتمام بالأخلاق، وهم أصحاب الوضعية المنطقية والتجريبية العلمية، الذين يقدمون لنا Metaethics ثم تيار يهدف إلى تأسيس أخلاق كونية، نجده لدى اثنين من فلاسفة مدرسة فرانكفورت: هابرماس وكارل أوتو أبل، وأخيرا تيار ينادي بالأخلاق التطبيقية Applied Ethics ولا تخرج الدراسات العربية في الأخلاق اليوم عن هذه التيارات. ومن المعروف انشغالي بالدراسات الأخلاقية وأسعي لتقديم رؤية فلسفية في الأخلاق تدور حول محاور ثلاثة: الأول تحليل القراءة العربية للأخلاق اليونانية، ولي في هذا المجال كتاب “من أثينا إلى بغداد”، ومناقشة التيارات الأخلاقية الحالية وهو ما يظهر في كتابي “إيتيقا الراهن”، ثم بيان الوضعية الحالية لجهود الفلاسفة العرب في الأخلاق كما يتمثل في عملي “الأخلاق في الفكر العربي المعاصر”، وهو ما عرف لدى الباحثين تحت عنوان قراءة القراءة في الأخلاق حيث قدم عدد من البحوث في الاتجاه تناقش ما سبق من أعمال.
هل تجد أن واقعنا المعاصر يمكن أن يستفيد من البحوث الفلسفية التي تعرضها فلسفة الأخلاق وبالخصوص إذا ما ربطناها بالفلسفة السياسية؟
الحقيقة أن هذا السؤال مهم للغاية، لأنه يرتبط بتوجهات الفلاسفة اليوم، حيث تتجه الفلسفة في كثير من تياراتها نحو قضايا الواقع المعيش والمشكلات التي يحياها الإنسان المعاصر، فظهر ما يسمى فلسفة الحياة اليومية، وفلسفة حقوق الإنسان، وفلسفة الحوار وفلسفات العيش المشترك والمواطنة الكونية وهي تصب مباشرة فيما يرتجيه البشر اليوم.
عام ٢٠٠٢م، مامدى علاقة هذا العام بالفلسفة ؟
تتحدثين عن عام 2002 وعلاقة هذا العام بالفلسفة، وربما لا يعرف عدد كبير من المثقفين، بل حتى بين العاملين في هذا المجال، أنه في هذا العام تم الإقرار من جانب اليونسكو بتخصيص الخميس الثالث من نوفمبر من كل عام للاحتفال بيوم الفلسفة العالمي. والحقيقة أن هذا اليوم له مذاق خاص في تونس حيث ترتبط هذه المدينة؛ تونس عاصمة الجمهورية التونسية، بكرسي اليونسكو للفلسفة. وقد حدث أن تم في أحد هذه الاحتفالات إعلان تونس للفلسفة، وفيها أيضا في مدينة الحمامات، تم إعلان تشكيل ملتقى الفلاسفة العرب. ونجد كذلك في مصر ولبنان والمغرب هذا الاهتمام وإن كان بدرجات مختلفة. ونتمنى أن يعم ذلك الوطن العربي.
اليونسكو – الفلسفة بينهما غايات مرجوة حدثنا عن ذلك ..؟
الحقيقة أن اليونسكو وهو المنظمة العالمية للتربية والعلوم والثقافة، تهتم أكبر اهتمام بالفلسفة خاصة تلك التي تتعلق بالعالم الثالث في آسيا وأفريقيا والعالم العربي، وقد أنشئت عدة كراسي للفلسفة، مثلما هو الأمر مع الطاقة والمياه مما يبين أهمية الفلسفة. وهناك برنامج، مشروع متكامل تنهض به كراسي اليونسكو في العالم، ومنها كرسي اليونسكو في العالم العربي الذي نهض بأعبائه الدكتور فتحي التريكي، وأسهم في تأسيس عدة فروع له في بلدان العالم العربي، ومنها القاهرة في جامعة الزقازيق التي قدمت عدة لقاءات حول: النقد، الحوار المرأة، النهضة وغيرها. ونصب اهتمامات اليونسكو على القضايا التي تشغل الإنسان اليوم وفي المستقبل ومن هنا ارتباطنا بها.
الفلسفة”بين اهتمام العالم العربي والأجنبي كيف تجد ذلك ؟
ينطبق على هذا السؤال ما سبق أن ذكرناه عن السؤال السابق مباشرة.
ملتقى الفلاسفة العرب”ما أهدافه وإنجازاته ومارأيك فيه؟
كيف تسألينني عن رأيي فيه وهو فكرتي بعد غياب الجمعيات الفلسفية العربية الجامعة للجمعيات القطرية في كل بلد، فقد انتقل الاتحاد الفلسفي العربي من بغداد بعد الحصار والغزو والانقسام إلى بيروت، ونشط بعض الشيء حين كان يتولى أدونيس الفكرة، ثم هدأ تماما وتوقفت الجمعية الفلسفية العربية في الأردن تماما، ولم ينجز الاتحاد العربي للجمعيات الفلسفية في مصر ما هدفنا إليه حيث لم يعقد جلسة واحدة، وتبكي اللافتة الموضوعة على مقر الجمعية الفلسفية في مصر على مصير هذا المولود الميت. ومن هنا تفكير في ملتقى الفلاسفة العرب، الذي يشارك فيه نخبة من الوجوه البارزة في العالم العربي
حيث تواصلنا مع الزملاء وعرضنا الفكرة وتمت المشاركات المختلفة ثم حددنا الهيكل التنظيمي له واجتمعنا في تونس وأعلننا قيام الملتقى في 22 مارس 2016 برئاسة فتحي التريكي وأمانة أحمد عبد الحليم عطية ونواب للرئيس من معظم البلدان العربيةوقد صدر عن هذا الملتقى عدة إصدارات هامة في مقدمتها موسوعة الفلاسفة العرب المعاصرين التي ظهر منها حتى اليوم ثلاثة مجلدات يصل بعضها إلى أكثر من ألف صفحة وينتظر ظهور المجلد الرابع مع عمل منتظر حول الفيلسوفات العربيات النساء يتم الإعداد له اليوم.
الموسوعة الفلسفية”والدكتور نور الدين السافي ماذا تقول عنهم؟
هي كما ذكرت من إدارات ملتقى الفلاسفة العرب، تضم أهم مبدعي الفلسفة أصحاب الرؤى من كل أنحاء الوطن العربي الذين قدموا إسهامات منذ بدايات القرن العشرين حتى اليوم. ونجتهد فيها وفق معايير محددة التمييز بين أصحاب الرؤى وأساتذة الفلسفة حيث قصرناها على أصحاب الرؤى.
المطلع على مسارك العملي الغني بالانتاج والعمل المتميز يلاحظ أنك نشيط في المؤتمرات الفلسفية داخل مصر وخارجها.حدثنا عن أهمها لديك ورأيك فيها ؟
الحقيقة أن هناك ملتقيات متعددة للفلسفة تنهض الجامعات والجمعيات الفلسفية والمؤسسات العلمية من قبيل المجلس الأعلى للثقافة بمصر وبيت الحكمة بتونس، والجمعية الفلسفية العربية والجمعيات القطرية، مثل جمعية الجماليات في تونس، والجمعية التونسية للدراسات الفلسفية، بالإضافة إلى مخابر الفلسفة بالجزائر، ووحدات البحث العلمي في تونس، وخارج البلدان العربية هناك المؤثرات الفلسفية الخالصة للجمعيات الفلسفية والأقسام العلمية. وقد شاركت في الكثير فيها في الأردن ولبنان والمغرب والجزائر وتونس وفرنسا وسويسرا وإسبانيا، بالإضافة إلى مصر ولكل منها طابع يختلف عن الآخر.
أتوقف عند الملتقيات الفلسفية في تونس التي يعقد بعضها في العاصمة تونس خاصة ملتقيات كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية والفيلاب بها وكذلك بيت الحكمة. والبعض الآخر يعقد في الحمامات خاصة الجمعية التونسية للدراسات الفلسفية وجمعية الجماليات، ولقاءات كرسي اليونسكو للفلسفة، وعادة ما نعقد في مارس من كل عام في الإجازة يذهب الأستاذ وأسرته، هو للمشاركة في النشاط، وأسرته لقضاء الإجازة في جو مختلف عن كل الملتقيات الأخرى. وسمة ثانية تميز الملتقيات التونسية هي مشاركة الأساتذة العرب والأوربيين، فتجد نفسك تستمع أو تجلس بجوار كبار الفلاسفة الذين تسمع عنهم أو تقرأ لهم.
هل ترى في هذا اليوم وجود ” لفلسفة عربية ” بالمعنى الاصطلاحي للكلمة وعن “فلاسفة عرب ” أصحاب مشاريع جديدة وأصيلة تذكرنا بأجدادنا في حضارتنا السابقة ؟
هذا السؤال هو ما يدور حوله الحوار كله منذ بدايته، فكل ما سبق يؤدي إليه، وهو سؤال صعب للغاية
هل هناك فلسفة عربية وفلاسفة عرب من أصحاب المشاريع الأصيلة، التي تذكرنا بأجدادنا؟
هو سؤال مطروح منذ بداية العصر الحديث والبعض يخشى من التحدث عن فلسفة عربية معاصرة، ويعتبر ابن رشد آخر الفلاسفة العرب. ولي تصور خاص يجعلني أقارن بين التسميات المختلفة التي يطلقها البعض على أصحاب الإنتاج الفلسفي في الثقافة العربية. فهناك من يسميه الفكر العربي المعاصر، أو المشاريع الفلسفية العربية، وهناك من يكتب عن الفلسفة العربية المعاصرة، وهل من يبرر التسمية الفلسفة العربية باعتبارها وصفا وليس تقييما للعاملين في هذا التخصص، فلا سلب الاسم يؤدي إلى نفي الصفة عنهم ولا وصفهم بالفلاسفة يعلي من شأنهم، ومن هنا فكما نطلق على المتخصصين في علم النفس والاجتماع، علماء نفس وعلماء اجتماع، كذلك نطلق على العاملين في هذا المجال اسم فلاسفة، وقد أطلقت على الموسوعة الضخمة التي أعددتا ونشرها ملتقى الفلاسفة العرب اسم موسوعة الفلاسفة العرب.
من خلال تجربتك في التعليم كيف ترى الطالب اليوم ومدى إقباله على الفلسفة والتفلسف؟
نادرا ما يقبل على دراسة الفلسفة اليوم الطالب عن قناعة واختيار حرف المهم في النهاية الحصول على الشهادة الجامعية وإن كان هذا لا يمنع من وجود قلة اختارت عن قناعة الفلسفة كتخصص دراسي وهي ما تميزت فيه وأبدعت.
رابط الجزء الثاني من الحوار
10 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓