رسم الحوار فنون الجمال والإثراء للفكر والروح مع ضيفنا في الجزء الثاني من الحوار الدكتور أحمد عبدالحليم عطية أستاذ الفلسفة الحديثة المعاصرة والأخلاق في كلية الآداب جامعة القاهرة وأمين عام ملتقى الفلاسفة العرب ورئيس تحرير مجلة أوراق فلسفية .وباتت التساؤلات تنبض في النفوس شوقا لمزيد من نور المعرفة والثقافة بجوانب من حياة هذا الإنسان العربي القدير الذي يرى أن الفلسفة هي الحياة ولا حياة بدون فلسفة !
ضيفنا العزيز – ناقش وأشرف على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه في الفلسفة في جامعات متعددة بجمهورية مصر العربية وشغل العديد من الوظائف منها – معيد بقسم الفلسفة بأدآب القاهرة ورئيس تحرير مجلة مسارات التونسية ومجلة الإستغراب اللبنانية كما أشرف على سبعة أعداد من سلسلة المكتبة الفلسفية والكثير ..
نتعرف على مواصفات الفيلسوف الناجح والنجاح وغيرها من الجوانب الشخصية لضيفنا في سياق الحوار التالي :
من وجهة نظرك ما مواصفات الفيلسوف الناجح ؟
مواصفات الفيلسوف الناجح في الحقيقة لا توجد طريقة أو وصفة محددة للنجاح في الفلسفة لأن ذلك يتوقف على فهمنا لمعنى النجاح
فما هو النجاح حتى يتسنى لنا تحديد من هو الناجح؟
علينا أن نفكر في بعض السمات التي تميز الفيلسوف الناجح ويمكننا أن نستعين بتاريخ الفلسفة. وأيضا في هذه الحالة سنجد اختلافات في سمات وشخصية الفيلسوف الناجح ولكن افتراض أن الفيلسوف الذي يملك الأدوات للوصول إلى القرّاء، أي، وهذا توضيح لما أريد من يملك القدرة على التواصل وهذا لا يشترط الوصول إلى أكبر قدر من القراء، ذلك أن التواصل يرتبط بالنقد، فالفيلسوف الناجح هو من يملك أدوات النقد في التعامل مع الفلسفة نفسها، وإن كنا يمكن أن نشير مع جيل دولوز إلى أن الفلسفة هي إبداع المفاهيم، ومن هنا فالفيلسوف هو صديق المفاهيم.
وسائل التواصل الاجتماعي إلى أي مدى دعمتك في عملك ؟
للأسف أنا لا أتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، رغم أهميتها الكبرى، ورغم أنها ساعدت البعض في أن يصل إلى أكبر عدد من المتابعين؛ ذلك أنني في بعض الأحيان أستشعر غياب المصداقية وعدم وجود ما يؤكد أو ينفي ما يزعمه البعض، إلا أن هذه الوسائل هامة للفيلسوف وأعطي مثالا على ذلك بفيلسوف صار له حضور كبير هذه السنوات هو سلافوي جيجك الذي يعد أهم فلاسفة مواقع التواصل الاجتماعي اليوم.
لخطواتك في الفلسفة صدى تردد ذلك الصدى لأرجاء الوطن العربي، حدثنا عن ذلك ؟
أفهم من سؤالك هذا عن مدى التفاعل بيني وبين الواقع الفلسفي العربي المعاصر، ويمكن الرد على مستويين، المستوى الأول هو اهتمامي الكبير بالفلسفة العربية المعاصرة، ومتابعتي التي أعتبرها إلى حد كبير جيدة، والمستوى الثاني هو تفاعلي ومشاركتي في اللقاءات الفلسفية العربية. والحقيقة والتي لا أجد لها تفسيرا، هي الحضور والمشاركة في الملتقيات العربية الشمال إفريقية تونس والمغرب والجزائر، وفي المشرق لبنان، وربما يرجع ذلك إلى أسباب متعددة لكن أهمها هو مدى حضور الفلسفة في الأقطار العربية المشرقية اليوم، سواء في سوريا والعراق من جانب أو دول الخليج العربي من جانب آخر. وأعتبر نفسي محظوظا للتفاعل المستمر بيني وبين أجيال متعددة من العاملين في المجال الفلسفي العربي اليوم .
كتابا سطره قلمك ليضم إبداعك .. ماعنوانه وما الجوهر الذي يتجلى في طياته ومتى سيرى للنور ؟
الحقيقة أن هذا العمل لم يكتب بعد وهو ما يشغلني وأتمنى أن أنجزه، لكنه يمكن القول مؤقتا أن كتابي عن كانط وقضايانا الراهنة، كيف قرأ العرب كانط وكيف فسروه؟
لكم مؤلفات عديدة متميزة أثريتم بها المكتبة العربية… هل يمكن أن تحدثنا عن أحد أهم إنجازاتك “مجلة أوراق فلسفية “ما أهدافها ورسالتها ومهامها ومن المتعاونون معك فيها ؟
الحقيقة أن أوراق فلسفية هي عملي الذي يشغلني أكثر من أي شيء آخر، والحقيقة أن الهدف منها هو خدمة الباحثين الشباب في الفلسفة، وقد فتحت صفحاتها لكل الباحثين العرب. ويمكن أن أعدد لك أسماء كثيرة لباحثين كبار خاصة في تونس والجزائر كانت أوراق فلسفية عاملا هاما في إعداد ملفاتهم للترقي العلمي، وذلك منذ العام ألفين حتى اليوم، وذلك قبل ظهور الإصدارات الفلسفية الحالية التي ترعاها مؤسسات، ذلك أن ما يميز عملنا في أوراق فلسفية هو العمل التطوعي، ولا توجد أية جامعة أو وزارة أو مؤسسة تدعم هذا المشروع الفلسفي الذي يعرفه جيدا جل العاملين بالفلسفة في الوطن العربي.
لكن سؤالك يمثل فرصة فريدة بالنسبة لي لكي أضع أوراق فلسفية في السياق الثقافي والحضاري العربي. ذلك لأنها أحد أضلاع مثلث هام فكرنا فيه منذ نهاية القرن العشرين، حيث فكرنا في إصدار “موسوعة الفلاسفة العرب المعاصرين” ولم تكن هناك في ذلك الحين أية دراسات عن هؤلاء، ومن هنا فكرنا في وسيلتين لتحديد معالم الفكر العربي المعاصر، هاتين الوسيلتين هما: أولا كتب تذكارية عن أهم الوجوه الفلسفية في العالم العربي، حيث أصدرنا مجلدات تذكارية عن: عبد الرحمن بدوي، حسن حنفي، فتحي التريكي من تونس، علي أومليل من المغرب، ناصيف نصار من لبنان، وكذلك بعض الكتب حول الأخلاق في الفكر العربي والديكارتية والكانطية والفينو مينولوجيا في الفكر العربي. والوسيلة الثانية كانت أوراق فلسفية التي صدر منها حتى اليوم ما يزيد عن ستين عددا، وإن كنا نجد اليوم صعوبات جمة في توفير المال اللازم لتكملة إصدارها.
لكل كتاب منزلة خاصة عند مؤلفه” ما هي أهم مؤلفاتك وهل يمكن تقديم أهمها عندك للقارئ؟
من الصعب الحديث عن أهم الكتب، ذلك لأن لكل منها مجاله وموضوعه، لكنني سأتحدث عن أول كتبي التي أصدرتها بعد حصولي على الدكتوراه وعملي في كلية الآداب وهو كتاب لم يكتب ضمن الكتب الدراسية بل كان بداية اهتمام كبير استمر معي طوال ثلاثة عقود، هو كتابي “الديكارتية في الفكر العربي”، الذذي حدد معالم منهج استخدمته في كثير من أعمالي التالية هو ما أطلق عليه الزملاء منهج قراءة القراءة، واستخدمته في مناقشة القراءة العربية المعاصرة للفلسفة العربية مثل قراءة العرب لديكارت والديكارتية والكانطية والهيجلية والتفكيكية في الفكر العربي وهو عمل يرصد الجهود الأولى التي تبنت العقلانية كرؤية ومنهج في البحث العلمي مقابل من تبنى البرجسونية في بلاد الشام واتخذ منها سبيلا لتقديم رؤى قومية. وقد تبع الزملاء هذا التوجه الجديد الذي استخدمته وبدأوا في دراسة تجليات تيارات وفلسفات غربية في الفكر العربي المعاصر.
المتأمل في بعض مؤلفاتك يلاحظ اهتمامك بالفلسفة المعاصرة هل من سر وراء هذا الاهتمام؟
يرجع اهتمامي بالفلسفة الحديثة والمعاصرة لإكمال جهود الفلاسفة القدماء في التعامل مع الفلسفة اليونانية، مما أوقع كثيرا من المعاصرين في شراك قضية الأصالة والمعاصرة، القديم والجديد، لكنني أبدأ من جهود المعاصرين سواء عرب أو أوربيين من خلال منهج سماء البعض قراءة القراءة، بهدف معرفة كيف تعامل العرب مع الفلسفات الغربية.
كيف ترى حال الفلسفة في الوقت الراهن ؟
حال الفلسفة اليوم سواء في العالم، أو عالمنا العربي الإسلامي، هو حال كل شيء نحياه أو بمعنى أدق لا نحياه أو بمعنى أدق يعاني من ويلات وصراعات وانقسامات واستبعاد وإقصاء ورفض وتهميش.
رابط الجزء الأول من الحوار :
5 pings