ما أن نصل إلى منزلنا حتى أسرع لرمي اغراضي في غرفتي وأشرع نافذتها لأرى إن كانت السماء ترسل لي دعوتها بواسطة غيومها الرمادية آذنة لي بالمسير في أحضان الطبيعة فأحمل معطفي وأضع قبعتي وشالي وأخرج مسرورة معلنة قبولي الدعوة .
ألسكان في الضيعة أشبه بدائرة نفوس متنقلة لشدة معرفة بعضهم البعض أما انا فكنت احمل ثلاث بطاقات تعريف فمن هم بمثل عمري يعرفونني (رانيا) واما من هم أكبر سنا فيعرفونني باسم أبي وأما الطاعنون في السن فيعرفونني باسم جدي .
أغير مساري لأترك الطريق الممهد الذي يذكرني بطرقات المدينة وأتخذ لي سبيلا طرقات ضيقة مهدتها ارجل أهلها ودوابهم فتبدأ الطبيعة بعزف موسيقاها إذ تتساقط قطرات المطر تضرب على اوراق الشجر وكأنها مفاتيح لوحة بيانو لتؤلف موسيقى ترقص لها الحشائش الصغيرة المحيطة بجذع الشجرة فترافقني موسيقاها بين البيوت القديمة .
أمر بمنزل العم أبو فؤاد جالسا على عتبة بيته تؤنسه عربة خشبية زرعتها زوجته بحلويات صنعتها للبيع بعد السلام والكلام اشتري بعضها وإكمل طريقي لتشدني رائحة خبز تصنعه نسوة في منزل شرع أبوابه للمارة فترى احداهن توقد التنور والأخرى ترق العجين لترمي به في فم مخبزها العتيق والأولاد في الباحة يركضون فرحين بجمع الحطب وكأنهم يأتون بكنوز.
أتركهم وفرحتهم قد اطربت قلبي لأصل إلى منزل العمة أم وليد ومنزلها يلوح للمارة بدخان الحطب المشتعل في مدفاتها ينفثه من سطحه فتسرع بفتح بابها وتمسك بيدي لتسحبني للداخل فأخطو لأجد نفسي وكأنني في مغارة علي بابا فجدران بيتها الحجرية رصعتها بأغلى ما تملك من صور إبنها الوحيد وأحفادها فتشم رائحة الذكريات تعبق وهي تشير إليها وتشعر بدفئ عاطفتها يضمك.
في زاوية الغرفة تمد ألسنة اللهب أصابعها لتسحرني وتغريني بالجلوس أمام الموقدة وصوت فرقعة الخشب يؤنس أسماعي . تبدأ أم وليد ضيافتها من حلوى ومكسرات وشراب القرفه بصواني زينتها بصوتها الحنون الذي يبث رائحة الشوق لوحيدها واولاده والأطايب التي تصنعها لهم عند عودتهم من السفر.
تنتهي قصص العمة فأودعها مسرعة العودة آلى منزلي قبل اشتداد الظلام مسرورة بما حملت في جعبتي من عطور قدمها لي الشتاء يدفئ بها مشاعري والتي لا يمكن لأمهر المختصين في تركيب العطور من إن يلامس شذى عطورهم عطور فصل الشتاء في طرقات ضيعتي وبين منازلها .
استشارية أسرية
1 ping