بين أروقة النفس البشرية ومتاهاتها تسلك ضيفتنا الدكتورة زهراء جواد الجمعة أخصائية الطب النفسي رحلتها اليومية لتزرع بذور أمل لتعافي أروحاً تعاني من مشكلات في صحتهم النفسية .. بابتسامتها العذبة وكلماتها الطبية وخبرتها التي أخذت منها سنوات من درس واختصاص وبحث لتغدق على من يحتاجها غدراناً من عطاء لعلاجات وكوة أمل ينبثق منها شعاع تعافي .
من هي الدكتورة زهراء ؟
أنا إبنة الأحساء والنخيل كبرتُ في جمال البساطة وتنفست التواضع وحب الآخرين وكل ما آمل أن تكون هذه الأجواء قد تركت في ذاتي أثر وحصلتُ على شهادة البكالوريوس للطب والجراحة العامة من جامعة الملك فيصل بالأحساء عام ٢٠١٥ ثم التحقتُ بعد التخرج مباشرة ببرنامج الاختصاص السعودي للطب النفسي.
ما سبب اختيارك لهذا التخصص بالرغم من ندرته في مجتمعنا ؟
تعرفت على هذا الإختصاص وطبيعة الاضطراب النفسي من خلال دراستي في الطب وحسب وماعدا ذلك لم يكن إلا تصورات خلقتها الأفلام السينمائية. في الحقيقة هناك نمط متكرر للصفات في كل تخصص طبي فمثلا يختار الذين لا يفضلون التواصل المباشر مع المرضى تخصصات مختبريه كعلم الأمراض أو الأشعة وفي الطب النفسي يكون الطابع الغالب الشغف بالفلسفة وفهم الإنسان، وشخصياً في أثناء دراستي وتدريبي في الأقسام الأخرى لم أكن أكتفي بجمع الأعراض الجسدية بل كنت أخصص جزءاً من وقت فراغي للإستماع لحكايا أصحاب المعاناة.
مانظرة المجتمع للأطباء النفسيين وهل يتقبلون التعامل معهم أم هناك عوائق وتحفظات ؟
لازال الكثير من أفراد المجتمع يمتلكون بعض الأفكار السلبية التي قد تقف عائق أمام اختيار البعض للعمل في هذا المجال وفي الواقع أن من يفكر في الموضوع قليلا سيدرك الخطأ في مثل هذه الافكار فإن المنشآت الصحية لاتقوم بتوظيف اي طبيب قبل أن يخضع للتقييم ومن المستحيل أن يتم قبوله في أي من المجالات مع وجود مرض يحد من قدراته أو يقلل من كفاءته كطبيب. بالإضافة إلى الكفاءة العلمية والعقلية يخضع الأطباء النفسيين للتدريب على اساليب التواصل مع المرضى بشكل مكثف ومختلف عن بقية التخصصات فغالبًا ما يتسمون بالتفهم وتقبل الطرف الآخر مما يجعلهم قادرين على بناء علاقة علاجية جيدة مع مرضاهم وبرأيي أن من يحمل غير ذلك من الصفات فعليه أن يترك المجال!
ماهو الاضطراب النفسي إن صح التعبير وهل هناك فرق بينه وبين الاضطراب العقلي؟
الكثير يستخدم كلمة إضطراب ومرض بالتبادل والبعض يصر على أنّ المرض عادة يطلق على كل تغيير واضح بأنسجة الجسم أو ماهو مكتسب عن طريق العدوى أما الاضطراب فيطلق على كل اختلال بالوظيفة مثلا مرض السكري يعتبر من أنواع الاضطراب الأيضي أما بالنسبة لمصطلح عقلي أو نفسي فهما يحملان المعنى ذاته ولكن يعتبر الاضطراب العقلي Mental disorder هو الأكثر شيوعا للتذكير بالتغييرات البيوكيميائية في الدماغ.
ما الفرق بين السلوك البشري والمرض النفسي ؟
الاضطراب النفسي هو عبارة عن تغيير في ثلاثة جوانب وهي السلوك والتفكير والمشاعر مما يكدر عيش الإنسان ويعيقه عن ممارسة حياته الطبيعية بينما السلوك يعرف بأنه كل فعل أو ردة فعل صادرة من المخلوق الحي ، قد يمتلك الإنسان سلوك غير طبيعي ( أي سلوك نادر وغير مقبول من المجتمع و مؤذي أما للإنسان نفسه أو الآخرين) دون أن يكون مصابا باضطراب نفسي.
فغالبا ما يتضمن الاضطراب النفسي تغير في السلوك ولكن ليس كل تغير في السلوك هو اضطراب نفسي.
برأيك هل هناك ثقافة مجتمعيه لـفهوم الطب النفسي وعلاجاته؟
أن إدراك المجتمع لمفاهيم الطب النفسي وعلاجاته قد تحسن بشكل ملحوظ عن السابق وبدأت الافكار المغلوطة بالتلاشي. ولكننا لازلنا بحاجة إلى الكثير حتى يحصل المريض النفسي على كافة حقوقه في المجتمع.
من خلال الحالات التي تتم معالجتها ماهي أكثر الاضطرابات النفسية تفشياً في مجتمعنا وماهي أسبابها؟
اضطرابات القلق هي الأكثر على مستوى العالم وترتفع نسبتها في الدول المتقدمة عن الدول النامية وهو أمر منطقي ومتوقع لكثرة الضغوطات التي يعاني منها الفرد في مثل هذه المجتمعات.
هل يخلط الناس بين مرض السيكوزفرنيا وغيره عن بقية الأمراض النفسية ؟
اعتاد الناس على تعميم صورة واحدة للمريض النفسي(ذو المظهر الغريب والتصرفات الغريبة) وهي مقاربة للحالات الشديدة من مرض الفصام أو السكيزوفرنيا والحال ليس كذلك فهناك نطاق واسع من الأمراض النفسية تشمل اضطرابات النوم والقلق والأكل التي قد يعاني منها الكثير ممن حولنا دون أن نشعر بذلك.
كيف نعرف أن الشخص مصاب بمرض نفسي ؟
كما ذكرت سابقا في التعريف هو التغير في الجوانب الثلاثة السلوك والمشاعر والتفكير إلى حد يؤثر سلبا على حياة الإنسان وفي معظم الأحيان يشعر المريض نفسه بالضغط الناتج عن عدم قدرته على ممارسة نشاطاته والعمل بصورة طبيعية وفي قليل من الحالات يجب على اقرباء المريض ملاحظة ذلك التغيير وآثاره.
ماهي خطوات العلاج للمريض النفسي وهل تختلف من عارض لآخر ؟
أولا : تشخيص المرض والذي يعتمد بصورة أساسية على جمع معلومات محددة من المريض وأقربائه وعمل اختبارات نفسية (سيكومترية) أحيانا ثم نجري تحاليل وفحوصات بهدف تقييم الحالة الصحية للمريض قبل العلاج الدوائي و بهدف استثناء وجود أمراض عضوية قد تعطي أعراض مشابهه. ثانيا : وفق معايير عالمية نقوم باختيار علاج دوائي مناسب وفي الحالات (العصابية) كالقلق والإكتئاب نضيف إليه جلسات العلاج النفسي لتحقيق نتيجة علاجية أفضل. وغالبا ما يستمر المريض على العلاج الدوائي لفترات طويلة للوقاية من أي انتكاسات مستقبلية
هل تتوفر التقنيات الكافية للمنشآت الطبية للعناية بالمرض النفسي ؟
هناك نقص واضح في عدد المنشآت المتوفرة للصحة النفسية للإقامة القصيرة أو الطويلة وكذا المنشآت المخصصة لإعادة التأهيل سواء كانت للمدمنين أو المصابين بالاضطرابات العقلية الشديدة.والأهم من ذلك هناك نقص شديد في القوى العاملة كتمريض وأطباء ومتخصصين في علم النفس الإكلينيكي.
ما الذي تطمحين إليه لمستقبلية الطب النفسي في الوطن ؟
برأيي أن الأهداف يجب أن تكون متجددة دائما بما يناسب التقدم والتطور العلمي ولكن اتمنى ان يزداد عدد المستشفيات للصحة النفسية وعدد القوى العاملة بحيث نتمكن من توفير خدمات بجودة أعلى للمرضى كخدمات العلاج الوظيفي لمرضى الإقامة الطويلة.
هل هناك موقف تعرضتي له خلال تعاملك مع المرضى النفسيين ؟
كثيرا ما نختبر مواقف لاتنسى مع المرضى ذلك أننا نخوض في أعماق التجارب الإنسانية ولكن سأذكر حادثة من أجل التنويه على ما نواجهه من نقص في المنشآت المناسبة لهذه الجماعة المهمشة. في المدينة س التي لاتتوفر فيها أقسام مناسبة للأطفال والمراهقين أتت إلي مريضة لاتتجاوز الثالثة عشر وتمتلك بنية هزيلة جدا وقد كانت في حالة من الاضطراب الشديد الذي يحتم تواجدها في أقسام الإقامة حيث لم يكن يسمح بتواجد المرافقين كحال جميع الأقسام الخاصة بالطب النفسي ولم يكن يتواجد هناك سوى نساء بالغات وأتخيل ماعانته هذه الفتاة من شعور بالخوف وماذا كان سيحدث لو كانت في العاشرة أو الحادية عشر! حتما سيضطر ذويها للسفر إلى منطقة أخرى تتوفر فيها منشآت مخصصة للأطفال.
ما الرسالة التي توجينها للمجتمع بشكل عام ، ولذوي المرضى بشكل خاص ؟
أن يتعامل كل فرد بإنسانية مع هؤلاء المرضى.
هلاّ تكرمتِ وزودتينا بوسيلة تواصل لمن أراد استشارة نفسية ؟
يوجد رقم وطني موحد للاستشارات الهاتفية “مجانا”
920033360
هل هناك سؤال وددتِ طرحه ولم يطرح؟
أعتقد أن ماتم طرحه قيم جدا.
كلمة أخيرة تودين قولها ؟
اتوجه بالشكر لصحيفة جواثا الإلكترونية لعطائها الكبير ولتخصيص جزء من وقتهم وجهودهم في الكتابة عن المرضى أو كما أحب أن أسميهم “مرضانا” لأذكر نفسي دائما بالمسؤولية الواجبة علينا تجاههم .
1 ping